Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 1-1)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

تقدم القول في الحروف الواقعة في فواتح بعض السور في أول سورة البقرة فهي بمنزلة الأعداد المسرودة ، لا محل لها من الإعراب ، ولا يُنطق بها إلا على حال السكت ، وحالُ السكت يعامَل معاملة الوقف ، فلذلك لا يُمد اسم رَا في الآية ، وإن كان هو في اللغة بهمزة في آخره لأنه بالسكت تحذف الهمزة كما تحذف في الوقف لثقل السكوت على الهمزة في الوقف والسكت ، فبذلك تصير الكلمة على حرفين فلا تمد . ولذلك أجمع القراء على عدم مد الحروف را . ها . يا . طا . حا . التي في أوائل السور وإن كانت تلك الأسماء ممدودة في استعمال اللغة . اسم الإشارة يجوز أن يكون مراداً به جميع آي القرآن التي نزلت قبل هذه السورة باعتبار حضور تلك الآيات في أذهان الناس من المؤمنين وغيرهم ، فكأنها منظورة مشاهدة ، فصحت الإشارة إليها إذ هي متلوة محفوظة فمن شاء أن يسمعها ويتدبرها أمكنه ذلك ولأن الخوض في شأنها هو حديث الناس في نواديهم وأسمارهم وشغلهم وجدالهم ، فكانت بحيث تتبادر إلى الأذهان عند ورود الإشارة إليها . واسمُ الإشارة يُفسر المقصودَ منه خبرُه وهو { آيات الكتاب الحكيم } كما فسره في قوله تعالى { فهذا يومُ البعث } الروم 56 وقوله تعالى { قال هذا فراقُ بيني وبينك } الكهف 78 . قال في « الكشاف » تصَوَّر فراقاً بينهما سيقع قريباً فأشار إليه بهذا . وقد تقدم شيء من هذا المعنى عند قوله تعالى { ذلك هدى الله يهدى به من يشاء من عباده } في سورة الأنعام 88 . فالمقصود من الإشارة إما الحث على النظر في آيات القرآن ليتبين لهم أنه من عند الله ويعلموا صدق من جاءهم به . وإما إقناعهم من الآيات الدالة على صدق النبي بآيات الكتاب الحكيم فإنهم يسألون النبي آيةً على صدقه ، كما دل عليه قوله في هذه السورة يونس 15 { وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائتِ بقرآن غير هذا أو بَدله } فقيل لهم { تلك آيات الكتاب الحكيم } ، أي ما هو آية واحدة بل آيات كثيرة ، فإن الإعجاز حاصل بكل سورة منه . ولأنه اشتمل على الحقائق السامية والهدى إلى الحق والحكمة فرجل أمي ينشأ في أمة جاهلة يجيء بمثل هذا الهدى والحكمة لا يكون إلا موحى إليه بوحي إلهي ، كما دل عليه قوله تعالى { وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذاً لارْتاب المبطلون } العنكبوت 48 . وعليه فاسم الإشارة مبتدأ و { آيات } خبره . وإضافة { آيات } إلى { الكتاب } إضافة شبيهة بالبيانية وإن كان الكتاب بمنزلة الظرف للآيات باختلاف الاعتبار ، وهو معنى الإضافة البيانية عند التحقيق . ويجوز أن تجعل الإشارة بـ { تلك } إلى حروف { ألر } لأن المختار في الحروف المقطعة في فواتح السور أن المقصود من تعدادها التحدي بالإعجاز ، فهي بمنزلة التهجي للمتعلم . فيصح أن يجعل ألـر في محل ابتداء ويكون اسم الإشارة خبراً عنه . والمعنى تلك الحروف آيات الكتاب الحكيم ، أي من جنسها حروف الكتاب الحكيم ، أي جميع تراكيبه من جنس تلك الحروف . والمقصود تسجيل عجزهم عن معارضته بأن آيات الكتاب الحكيم كلها من جنس حروف كلامهم فما لكم لا تستطيعون معارضتها بمثلها إن كنتم تكذّبون بأن الكتاب منزل من عند الله ، فلولا أنه من عند الله لكان اختصاصه بهذا النظم المعجز دون كلامهم محالاً إذ هو مركب من حروف كلامهم . والكتاب القرآن . فالتعريف فيه للعهد . ويجوز جعل التعريف دالاً على معنى الكمال في الجنس ، كما تقول أنتَ الرجل . والحكيم وصف إما بمعنى فاعل ، أي الحاكم على الكتب بتمييز صحيحها من محرفها ، مثل قوله { ومُهيمِناً عليه } المائدة 48 ، وقوله { وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه } البقرة 213 . وإما بمعنى مُفعَل بفتح العين ، أي مُحكَم ، مثل عَتِيد ، بمعنى مُعَد . وإما بمعنى ذي الحِكمة لاشتماله على الحكمة والحق والحقائق العالية ، إذ الحكمة هي إصابة الحق بالقول والعمل فوُصف بوصف ذي الحكمة من الناس على سبيل التوسع الناشىء عن البليغ كقول الأعشى @ وغريبةٍ تأتي الملوك حَكِيمة قد قلتُها ليقال مَن ذَا قالها @@ وإما أن يكون وُصِفَ بوصف منزّله المُتكلم به ، كما مشَى عليه صاحب « الكشاف » عند قوله تعالى { يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين } يس 1 ، 3 واختيار وصف { الحكيم } من بين أوصاف الكمال الثابتة للقرآن لأن لهذا الوصف مزيد اختصاص بمقام إظهار الإعجاز من جهة المعنى بعد إظهار الإعجاز من جهة اللفظ بقوله { الر تلك آيات الكتاب الحكيم } ، ولِما اشتملت عليه السورة من براهين التوحيد وإبطال الشرك . وإلى هذا المعنى يشير قوله بعد هذا { قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثتُ فيكم عمراً من قبله أفلا تعقلون } يونس 16