Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 3-3)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

استئناف ابتدائي للاستدلال على تفرد الله تعالى بالإلهية . وإنما أوقع هنا لأن أقوى شيء بَعثَ المشركين على ادعاء أن ما جاء به النبي سحر هو أنه أبطل الشركاء لله في الإلهية ونفاها عن آلهتهم التي أشركوا بها فقالوا { أجعل الآلهةَ إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب } ص 5 فلا جرم أن أعقب إنكار إحالتهم ذلك بإقامة الدليل على ثبوته . والخطاب للمشركين ، ولذلك أكد الخبر بحرف التوكيد ، وأوقع عقبه { أفلا تذكرون } يونس 2 ، فهو التفات من الغيبة في قوله { أكَانَ للناس عجباً } وقوله { قال الكافرون } . وقد مضى القول في نظير صدر هذه الآية في سورة الأعراف إلى قوله { ثم استوى على العرش } . وقوله { الله } خبر { إن } ، كما دل عليه قوله بعده { ذالكم الله ربكم فاعبدوه } . وجملة { يُدبر الأمر } في موضع الحال من اسم الجلالة ، أو خبر ثان عن { ربكم } . والتدبير النظر في عواقب المقدرات وعوائقها لقصد إيقاعها تامة فيما تقصد له محمودةَ العاقبة . والغاية من التدبير الإيجاد والعملُ على وفق ما دُبر . وتدبير الله الأمور عبارة عن تمام العلم بما يخلقها عليه ، لأن لفظ التدبير هو أوفى الألفاظ اللغوية بتقريب إتقان الخلق . والأمر جنس يعم جميع الشؤون والأحوال في العالم . وتقدم في قوله { وقلَّبوا لك الأمور } في سورة براءة 48 . وفي إجراء هذه الصفات على الله تعالى تعريض بالرد على المشركين إذ جعلوا لأنفسهم آلهة لا تخلق ولا تعلم كما قال تعالى { لا يخلُقون شيئاً وهم يخلقون } النحل 20 . ولذلك حسن وقع جملة { ما من شفيع إلا من بعد إذنه } عقب جملة { الذي خلق } بتمامها ، لأن المشركين جعلوا آلهتهم شفعاء فإذا أنذروا بغضب الله يقولون { هؤلاء شفعاؤنا عند الله } يونس 18 ، أي حُماتنا من غضبه . فبعد أن وُصف الإله الحق بما هو منتف عن آلهتهم نُفِي عن آلهتهم وصْف الشفاعة عند الله وحماية المغضوب عليهم منه . وأكد النفي بـ { من } التي تقع بعد حرف النفي لتأكيد النفي وانتفاء الوصف عن جميع أفراد الجنس الذي دخلت من على اسمه بحيث لم تبق لآلهتهم خصوصية . وزيادة { إلاّ مِنْ بعد إذنه } احتراس لإثبات شفاعة محمَّد صلى الله عليه وسلم بإذن الله ، قال تعالى { ولا يشفعون إلا لمن ارتضى } الأنبياء 28 . والمقصود من ذلك نفي الشفاعة لآلهتهم من حيث إنهم شركاء لله في الإلهية ، فشفاعتهم عنده نافذة كشفاعة الند عند نده . والشفاعة تقدمت عند قوله تعالى { ولا يقبل منها شفاعة } في سورة البقرة 48 . وكذلك الشفيع تقدم عند قوله { فهل لنا من شفعاء } في سورة الأعراف 53 . وموقع جملة { ما من شفيع } مثل موقع جمله { يدبر الأمر } . وجملة { ذلكم الله ربكم } ابتدائية فذلكةٌ للجمل التي قبلها ونتيجة لها ، وهي معترضة بين تلك الجمل وبين الجملة المفرعَة عليها ، وهي جملة { فاعبدوه } ، وتأكيد لمضمون الجملة الأصلية وهي جملة { إن ربكم الله } . والإتيان في صدرها باسم الإشارة لتمييزه أكمل تمييز ، لأنهم امتروا في صفة الإلهية وضلوا فيها ضلالاً مبيناً ، فكانوا أحرياء بالإيقاظ بطريق اسم الإشارة ، وللتنبيه على أن المشار إليه حقيق بما سيذكر بعد اسم الإشارة من حيث إنه اتصف بتلك الأوصاف التي أشير إليه من أجلها ، فإن خالق العوالم بغاية الإتقان والمقدرة ومالك أمرها ومدبر شؤونها والمتصرفَ المطلق مستحقٌ للعبادة نظير الإشارة في قوله { أولئك على هدى من ربهم } البقرة 5 بعد قوله { للمتقين الذين يؤمنون بالغيب } البقرة 2 إلى قوله { هم يوقنون } البقرة 4 . وفُرّع على كونه ربهم أن أمروا بعبادته ، والمفرَّعُ هو المقصود من الجملة وما قبله مؤكد لجملة { إن ربكم الله } تأكيداً بفذلكة وتحصيل . والتقديرُ إن ربكم الله إلى قوله { فاعبدوه } ، كقوله { قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحُوا } يونس 58 إذ وقع قوله فبذلك تأكيداً لجملة بفضل الله وبرحمته . وأوقع بعده الفرع وهو فليفرحوا . والتقدير قل بفضل الله وبرحمته فليفرحوا بذلك . والمقصود من العبادة العبادة الحق التي لا يشرك معه فيها غيره ، بقرينة تفريع الأمر بها على الصفات المنفرد بها الله دون معبوداتهم . وجملة { أفلا تذَّكَّرون } ابتدائية للتقريع . وهو غرض جديد ، فلذلك لم تعطف ، فالاستفهام إنكار لانتفاء تذكرهم إذْ أشركوا معه غيره ولم يتذكروا في أنه المنفرد بخلق العوالم وبملكها وبتدبير أحوالها . والتذكُّر التأمل . وهو بهذه الصيغة لا يطلق إلا على ذكر العقل لمعقولاته ، أي حركته في معلوماته ، فهو قريب من التفكر إلا أن التذكر لما كان مشتقاً من مادة الذكر التي هي في الأصل جريَان اللفظ على اللسان ، والتي يعبر بها أيضاً عن خطور المعلوم في الذهن بعد سهوه وغيبته عنه كان مشعراً بأنه حركة الذهن في معلومات متقررة فيه من قبل . فلذلك أوثر هنا دون { لعلكم تتفكرون } البقرة 219 للإشارة إلى أن الاستدلال على وحدانية الله تعالى قد تقررَ في النفوس بالفطرة ، وبما تقدم لهم من الدعوة والأدلة فيكفي في الاستدلال مجرد إخطار هذه الأدلة في البال .