Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 76-77)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أي لما رأوا المعجزات التي هي حق ثابت وليست بتخيلات وتمويهات ، وعلموا أن موسى صادق فيما ادّعاه ، تدرجوا من مجرّد الإباء المنبعث عن الاستكبار إلى البهتان المنبعث عن الشعور بالمغلوبية . والحقُّ يطلق اسماً على ما قابل الباطل وهو العدل الصالح ، ويطلق وصفاً على الثابت الذي لا ريبة فيه ، كما يقال أنت الصديق الحق . ويُلازم الإفراد لأنه مصدر وصف به . والذي أثبت له المجيء هنا هو الآيات التي أظهرها موسى إعجازاً لهم لقوله قبله { ثم بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا } الأعراف 103 فكان جعل الحق جائياً بتلك الآيات صالحاً لمعنيي الحقّ ، لأنّ تلك الآيات لما كانت ثابتة لا ريبة فيها كانت في ذاتها حقاً فمجيئها حصولُها وظهورها المقصود منه إثبات صدق موسى في رسالته فكان الحق جائياً معها ، فمجيئه ثبوته كقوله تعالى { وقل جاء الحق وزهق الباطل } الإسراء 81 وبهذا يظهر أن لكلمة { الحقّ } هنا من الوقع في الدلالة على تمام المعنى المراد ، ولكلمة { من عندنا } ما ليس لغيرهما في الإيجاز ، وهذا من حدّ الإعجاز . وبهذا تبين أنّ الآية دالة على أن آيات الصدق ظهرت وأنّ المحجوجين أيقنوا بصدق موسى وأنه جاء بالحق . واعتذارهم عن ظهور الآيات بأنها سحر هو اعتذار المغلوب العديم الحجة الذي قهرته الحجة وبهره سلطان الحقّ ، فلم يبق له منتشب من المعارضة المقبولة فهو يهرع إلى انتحال معارضات بمعاذير لا تدخل تحت التمحيص ولا تثبت في محكّ النقد . « ولا بدّ للمغلوب من بارد العذر » وإذ قد اشتهر بين الدّهماء من ذوي الأوهام أنّ السحر يظهر الشيء في صورة ضدّه ، ادّعى هؤلاء أنّ ما ظهر من دلائل صدق موسى هو سحر ظهر به الباطل في صورة الحقّ بتخييل السحر . ومعنى إدّعاء الحقّ سحراً أنّ دلائله من قبيل التخيلات والتمويهات ، فكذلك مدلوله هو مدلول السحر وهو إنشاء تخيل باطل في نفوس المسحورين ، وقد حملهم استشعارهم وَهَنَ معذرتهم على أن أبرزوا دعواهم في صورة الكلام المتثبّت صاحبُه فأكَّدوا الكلام بما دلّ عليه حرف التوكيد ولام الابتداء { إنّ هذا لسحرٌ } ، وزادوا ذلك ترويجاً بأن وصفوا السِّحر بكونه مُبيناً ، أي شديدَ الوضوح . والمبين اسم فاعل من أبان القاصر ، مرادف بَانَ ظهر . والإشارة بقوله { إنّ هذا } إلى ما هو مشاهد بينهم حين إظهار المعجزة مثل انقلاب العصا حية ، وخروج اليد بيضاء ، أي أنّ هذا العمل الذي تشاهدونه سحر مبين . وجملة { قال موسى } مجاوبة منه عن كلامهم ففُصلت من العطف على الطريقة التي استخرجناها في حكاية الأقوال ، كما تقدم في قوله تعالى { وإذ قال ربك للملائكة ، إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها } البقرة 30 ، ونظائره الكثيرة . تولى موسى وحده دون هارون مجادلتهم لأنه المباشر للدعوة أصالة ، ولأن المعجزات ظهرت على يديه . واستفهام { أتقولون } إنكاري . واللام في { للحق } لام التعليل . وبعضهم يسميها لام البيان . وبعضهم يسميها لام المجاوزة بمعنى عن . وجملة { أسحر هذا } مستأنفة للتوبيخ والإنكار ، أنكر موسى عليهم وصفهم الآيات الحق بأنها سحر . والإشارة تفيد التعريض بجهلهم وفساد قولهم ، بأن الإشارة إلى تلك الآيات كافية في ظهور حقيقتها وأنها ليست من السحر في شيء . ولذلك كان مفعول { أتقولون } محذوفاً لدلالة الكلام عليه وهو { إنّ هذا لسحر مبين } فالتقدير أتقولون هذا القول للحق لمَّا جاءكم . وقريب منه قوله تعالى { قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قُلتم } آل عمران 183 وقوله { بَيَّت طائفة منهم غير الذي تقول } النساء 81 . ولما نفى موسى عن آيات الله أن تكون سحراً ارتقى فأبان لهم فساد السحر وسوء عاقبة معالجيه تحقيراً لهم ، لأنهم كانوا ينوّهون بشأن السحر . فجملة { ولا يفلح الساحرون } معطوفة على جملة { أسحر هذا } . فالمعنى هذا ليس بسحر وإنما أعلم أن الساحر لا يفلح ، أي لو كان ساحراً لما شنع حال الساحرين ، إذ صاحب الصناعة لا يحقر صناعته لأنه لو رآها محقرة لما التزمها .