Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 102, Ayat: 1-4)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ألهاكم } أي شغلكم عما يجب عليكم الاشتغالُ به لأن اللهو شغل يصرف عن تحصيل أمرٍ مهم . و { التكاثر } تفاعل في الكثْر أي التباري في الإِكثار من شيء مرغوب في كثرته . فمنه تكاثر في الأموال ، ومنه تكاثر في العَدد من الأولاد والأحلاف للاعتزاز بهم . وقد فسرت الآية بهما قال تعالى { وقالوا نحن أكثر أموالاً وأولاداً وما نحن بمعذبين } سبأ 35 . وقال الأعشى @ ولستَ بالأكْثر منهم حَصًى وإنما العِزة للكَاثر @@ روى مسلم " عن عبد الله بن الشِّخِّير قال « انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول { ألهاكم التكاثر } قال يقول ابنُ آدم مالي مالي ، وهل لك يا بن آدم من مالك إلا ما أكلتَ فأفنَيْت أو لَبست فَأَبْلَيْت أو تصدقت فأمضَيْت » " فهذا جارٍ مجرى التفسير لمعنى من معاني التكاثر اقتضاه حال الموعظة ساعتئذ وتحتمله الآية . والخطاب للمشركين بقرينة غلظة الوعيد بقوله { كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون } وقوله { لترون الجحيم } التكاثر 6 إلى آخر السورة ، ولأن هذا ليس من خُلق المسلمين يومئذ . والمراد بالخطاب سادتُهم وأهلُ الثراء منهم لقوله { ثم لتسئلُنَّ يومئذٍ عن النعيم } التكاثر 8 ، ولأن سادة المشركين هم الذين آثاروا ما هم فيه من النعمة على التهمّم بتلقي دعوة النبي صلى الله عليه وسلم فتصدَّوا لتكذيبه وإغراء الدهماء بعدم الإِصغاء له . فلم يُذكَر المُلْهَى عنه لظهور أنه القرآن والتدبر فيه ، والإِنصاف بتصديقه . وهذا الإِلهاء حصل منهم وتحقق كما دل عليه حكايته بالفعل الماضي . وإذا كان الخطاب للمشركين فلأن المسلمين يعلمون أن التلبس بشيء من هذا الخلق مذموم عند الله ، وأنه من خصال أهل الشرك فيعلمون أنهم محذرون من التلبس بشيء من ذلك فيحذرون من أن يُلهيهم حب المال عن شيء من فعل الخير ، ويتوقعون أن يفاجئهم الموت وهم لاهون عن الخير ، قال تعالى يخاطب المؤمنين { اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته } الحديد 20 الآية . وقوله { حتى زرتم المقابر } غاية ، فيحتمل أن يكون غاية لفعل { ألهاكم } كما في قوله تعالى { قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى } طه 91 ، أي دَام إلهاء التكاثر إلى أن زرتم المقابر ، أي استمرّ بكم طولَ حياتكم ، فالغاية مستعملة في الإِحاطة بأزمان المغيَّا لا في تنهيته وحصول ضده لأنهم إذا صاروا إلى المقابر انقطعت أعمالهم كلها . ولكون زيارة المقابر على هذا الوجه عبارة عن الحلول فيها ، أي قبورَ المقابر . وحقيقة الزيارة الحلول في المكان حلولاً غير مستمر ، فأطلق فعل الزيارة هنا تعريضاً بهم بأن حلولهم في القبور يعقبه خروج منها . والتعبير بالفعل الماضي في { زُرتم } لتنزيل المستقبل منزلة الماضي لأنه محقق وقوعه مثل { أتى أمرُ اللَّه } النحل 1 . ويحتمل أن تكون الغاية للمتكاثر بهِ الدالِّ عليه التكاثُر ، أي بكل شيء حتى بالقبور تعدونها . وهذا يجري على ما رَوَى مقاتل والكلبي أن بني عبد مناف وبني سهم تفاخروا بكثرة السادة منهم ، كما تقدم في سبب نزولها آنفاً ، فتكون الزيارة مستعملة في معناها الحقيقي ، أي زرتم المقابر لتَعُدُّوا القبور ، والعرب يكنّون بالقبر عن صاحبه قال النابغة @ لَئِنْ كان للقَبْرين قَبْرٍ بجِلَّقٍ وقَبر بصيداءَ الذي عند حَارِب @@ وقال عصام بن عُبيد الزّمَّاني ، أو همّام الرَّقَاشي @ لو عُدَّ قَبْرٌ وقبرٌ كُنتُ أقربَهم قبراً وأبْعَدَهم من مَنزِل الذَّام @@ أي كنتُ أقربهم منكَ قبراً ، أي صاحبَ قبر . و { المقابر } جمع مقبَرة بفتح الموحدة وبضمها . والمقبرة الأرض التي فيها قبور كثيرة . والتوبيخ الذي استُعمل فيه الخبر أُتبع بالوعيد على ذلك بعد الموت ، وبحرف الزجر والإِبطال بقوله { كلا سوف تعلمون } فأفاد { كلا } زجراً وإبطالاً لإِنهاء التكاثر . و { سوف } لتحقيق حصول العلم . وحدف مفعول { تعلمون } لظهور أن المراد تعلمون سوء مَغَبَّة لهوكم بالتكاثر عن قبول دعوة الإِسلام . وأكد الزجر والوعيد بقوله { ثم كلا سوف تعلمون } فعطف عطفاً لفظيّاً بحرف التراخي أيضاً للإِشارة إلى تراخي رتبة هذا الزجر والوعيد عن رتبة الزجر والوعيد الذي قبله ، فهذا زجر ووعيد مماثل للأول لكن عطفه بحرف { ثم } اقتضى كونه أقوى من الأول لأنه أفاد تحقيق الأول وتهويله . فجملة { ثم كلا سوف تعلمون } توكيد لفظي لجملة { كلا سوف تعلمون } وعن ابن عباس { كلا سوف تعلمون } ما ينزل بكم من عذاب في القبر { ثم كلا سوف تعلمون } عند البعث أن ما وعدتم به صِدق ، أي تُجعل كلَّ جملة مراداً بها تهديد بشيء خاص . وهذا من مُسْتَتْبَعات التراكيب والتعويل على معونة القرائن بتقدير مفعول خاص لكلِّ من فِعلي { تعلمون } ، وليس تكرير الجملة بمقتضٍ ذلك في أصل الكلام . ومفاد التكرير حاصل على كل حال .