Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 107, Ayat: 1-3)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الاستفهام مستعمل في التعجيب من حال المكذبين بالجزاء ، وما أورثهم التكذيب من سوء الصنيع . فالتعجيب من تكذيبهم بالدين وما تفرع عليه من دَعّ اليتيم وعدم الحضّ على طعام المسكين ، وقد صيغ هذا التعجيب في نظم مشوِّق لأن الاستفهام عن رؤية من ثبتت له صلة الموصول يذهب بذهن السامع مذاهب شتى من تعرف المقصد بهذا الاستفهام ، فإن التكذيب بالدين شائع فيهم فلا يكون مثاراً للتعجب فيترقب السامع ماذا يَرِد بعده وهو قوله { فذلك الذي يدع اليتيم } . وفي إقحام اسم الإِشارة واسم الموصول بعد الفاء زيادة تشويق حتى تقرع الصلة سمع السامع فتتمكن منه كَمَالَ تَمكُّن . وأصل ظاهر الكلام أن يقال أرأيت الذي يكذب بالدين فَيدُع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين . والإِشارة إلى الذي يكذب بالدين باسم الإِشارة لتمييزه أكملَ تمييز حتى يتبصر السامع فيه وفي صفته ، أو لتنزيله منزلة الظاهر الواضح بحيث يشار إليه . والفاء لعطف الصفة الثانية على الأولى لإفادة تسبب مجموع الصفتين في الحكم المقصود من الكلام ، وذلك شأنها في عطف الصفات إذا كان موصوفها واحداً مثل قوله تعالى { والصافات صفاً فالزاجرات زجراً فالتاليات ذكراً } الصافات 1 ـــ 3 . فمعنى الآية عطفُ صفتي دَع اليتيم ، وعدم إطعام المسكين على جزم التكذيب بالدين . وهذا يفيد تشويه إنكار البعث بما ينشأ عن إنكاره من المذام ومن مخالفة للحق ومنَافياً لما تقتضيه الحكمة من التكليف ، وفي ذلك كناية عن تحذير المسلمين من الاقتراب من إحدى هاتين الصفتين بأنهما من صفات الذين لا يؤمنون بالجزاء . وجيء في { يكذب } ، و { يدُعّ } ، و { يَحُضّ } بصيغة المضارع لإفادة تكرر ذلك منه ودوامه . وهذا إيذان بأن الإِيمان بالبعث والجزاء هو الوازع الحق الذي يغرس في النفس جذور الإقبال على الأعمال الصالحة حتى يصير ذلك لها خلقاً إذا شبت عليه ، فزكت وانساقت إلى الخير بدون كلفة ولا احتياج إلى آمر ولا إلى مخافة ممن يقيم عليه العقوبات حتى إذا اختلى بنفسه وآمن الرقباء جاء بالفحشاء والأعمال النَّكراء . والرؤية بصرية يتعدى فعلها إلى مفعول واحد ، فإن المكذبين بالدين معروفون وأعمالهم مشهورة ، فنزّلت شهرتهم بذلك منزلة الأمر المبصَر المشاهد . وقرأ نافع بتسهيل الهمزة التي بعد الراء من { أرأيت } ألفاً . وروى المصريون عن ورش عن نافع إبدالها ألفاً وهو الذي قرأنا به في تونس ، وهكذا في فعل رأى كلما وقع بعد همزة استفهام ، وذلك فرار من تحقيق الهمزتين ، وقرأه الجمهور بتحقيقهما . وقرأه الكسائي بإسقاط الهمزة التي بعد الراء في كل فعل من هذا القبيل . واسم الموصول وصلتُه مراد بهما جنس من اتصف بذلك . وأكثر المفسرين درجوا على ذلك . وقيل نزلت في العاص بن وائل السهمي ، وقيل في الوليد بن المغيرة المخزومي ، وقيل في عمرو بن عائذ المخزومي ، وقيل في أبي سفيان بن حرب قبل إسلامه بسبب أنه كان يَنحر كل أسبوع جَزوراً فجاءه مرة يتيم فسأله من لحمها فقرعه بعصا . وقيل في أبي جهل كان وصياً على يتيم فأتاه عرياناً يسأله من مال نفسه فدفعه دفعاً شنيعاً . والذين جعلوا السورة مدنية قالوا نزلت في منافق لم يسموه ، وهذه أقوال معزو بعضها إلى بعض التابعين ولو تعينت لشخص معين لم يكن سبب نزولها مخصِّـصاً حكمَها بمن نزلتْ بسببه . ومعنى { يدع } يدفع بعنف وقهر ، قال تعالى { يوم يدعون إلى نار جهنم دعاً } الطور 13 . والحض الحث ، وهو أن تطلب غيرك فعلاً بتأكيد . والطعام اسم الإِطعام ، وهو اسم مصدر مضاف إلى مفعوله إضافة لفظية . ويجوز أن يكون الطعام مراداً به ما يطعم كما في قوله تعالى { فانظر إلى طعامك وشرابك } البقرة 259 فتكون إضافة طعام إلى المسكين معنوية على معنى اللام ، أي الطعام الذي هو حقه على الأغنياء ويكون فيه تقدير مضاف مجرور بــــ على تقديره على إعطاء طعام المسكين . وكنى بنفي الحضّ عن نفي الإِطعام لأن الذي يشحّ بالحض على الإِطعام هو بالإِطعام أشح كما تقدم في قوله { ولا تحاضون على طعام المسكين } في سورة الفجر 18 وقوله { ولا يحض على طعام المسكين } في سورة الحاقة 34 . والمسكين الفقير ، ويطلق على الشديد الفقرِ ، وقد تقدم عند قوله تعالى { إنما الصدقات للفقراء والمساكين } في سورة التوبة 60 .