Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 50-52)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

عطف على { ولقد أرسَلنا نوحاً إلى قومه } هود 25 ، فعطف { وإلى عاد } على { إلى قومه } هود 25 ، وعطف { أخاهم } على { نوحاً } هود 25 ، والتقدير وأرسلنا إلى عاد أخاهم هوداً . وهو من العطف على معموليْ عامل واحد . وتقديم المجرور للتنبيه على أن العطف من عطف المفردات لا من عطف الجمل لأن الجارّ لا بد له من متعلّق ، وقضاءً لحق الإيجاز ليُحْضَر ذكر عَاد مرتين بلفظه ثم بضميره . ووصف هود بأنه أخو عاد لأنه كان من نسبهم كما يقال يا أخا العرب ، أي يا عربي . وتقدم ذكر عاد وهود في سورة الأعراف . وجملة { قال } مبينة للجملة المقدّرة وهي { أرسلنا } هود 25 . ووجه التصريح بفعل القول لأن فعل أرسلنا محذوف ، فلو بين بجملة { يا قوم اعبدوا } كما بين في قوله { ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه إني لكم نذير مبين } هود 25 لكان بياناً لمعدوم وهو غير جليّ . وافتتاح دعوته بنداء قومه لاسترعاء أسماعهم إشارة إلى أهمية ما سيلقي إليهم . وجملة { ما لكم من إله غيره } حال من ضمير { اعبدوا } أو من اسم الجلالة . والإتيان بالحال الاستقصاد إبطال شركهم بأنّهم أشركوا غيره في عبادته في حال أنّهم لا إله لهم غيره ، أو في حال أنّه لا إله لهم غيره . وذلك تشنيع للشّرك . وجملة { إن أنتم إلا مفترون } توبيخ وإنكار . فهي بيان لجملة { ما لكم من إله غيره } ، أي ما أنتم إلاّ كاذبون في ادّعاء إلهية غير الله تعالى . وجملة { يا قوم لا أسألكم عليه أجراً } إن كان قالها مع الجملة التي قبلها فإعادة النداء في أثناء الكلام تكرير للأهمية ، يقصد به تهويل الأمر واسترعاء السمع اهتماماً بما يستسمعونه ، والنداء هو الرابط بين الجملتين وإن كانت مقولة في وقت غير الذي قيلت فيه الجملة الأولى ، فكونها ابتداء كلام ظاهر . وتقدم تفسير { لا أسألكم عليه أجراً } في قصة نوح - عليه السّلام - ، أي لا أسألكم أجراً على ما قلته لكم . والتعبير بالموصول { الذي فطرني } دون الاسم العلم لزيادة تحقيق أنّه لا يسألهم على الإرشاد أجراً بأنه يعلم أن الذي خلقه يسوق إليه رزقه ، لأن إظهار المتكلم علمه بالأسباب يكسب كلامه على المسببات قوة وتحقيقاً . ولذلك عطف على ذلك قوله { أفلا تعقلون } بفاء التفريع عاطفة استفهاماً إنكارياً عن عدم تعقلهم ، أي تأملهم في دلالة حاله على صدقه فيما يبلغ ونصحه لهم فيما يأمرهم . والعقل العلم . وعطف جملة { ويا قوم } مثل نظيرها في قصة نوح - عليه السّلام - آنفاً . والاستغفار طلب المغفرة للذنب ، أي طلب عدم المؤاخذة بما مضى منهم من الشرك ، وهو هنا مكنى به عن ترك عقيدة الشرك ، لأن استغفار الله يستلزم الاعتراف بوجوده ويستلزم اعتراف المستغفر بذنب في جانبه ولم يكن لهم ذنب قبل مجيء هود - عليه السّلام - إليهم غير ذنب الإشراك إذ لم يكن له شرع من قبل . وأما ذنب الإشراك فهو متقرر من الشرائع السابقة جميعها فكان معلوماً بالضرورة فكان الأمر بالاستغفار جامعاً لجميع هذه المعاني تصريحاً وتكنية . والتوبة الإقلاع عن الذنب في المستقبل والندم على ما سلف منه . وفي ماهية التوبة العزم على عدم العود إلى الذنب فيؤول إلى الأمر بالدّوام على التوحيد ونفي الإشراك . و { ثم } للترتيب الرتبي ، لأن الدوام على الإقلاع أهم من طلب العفو عمّا سلف . و { يرسل السماء عليكم } جواب الأمر من { استغفروا } . والإرسال بعْث من مكان بعيد فأطلق الإرسال على نزول المطر لأنه حاصل بتقدير الله فشبّه بإرسال شيء من مكان المرسل إلى المبعوث إليه . والسماء من أسماء المطر تسمية للشيء باسم مصدره . وفي الحديث " خَطَبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أثر سماء " و { مدراراً } حال من السماء صيغة مبالغة من الدرور وهو الصبّ ، أي غزيراً . جعل جزاءهم على الاستغفار والتوبة إمدادهم بالمطر لأنّ ذلك من أعظم النّعم عليهم في الدنيا إذ كانت عاد أهل زرع وكروم فكانوا بحاجة إلى الماء ، وكانوا يجعلون السّداد لخزن الماء . والأظهر أن الله أمسك عنهم المطر سنين فتناقص نسلهم ورزقهم جزاء على الشرك بعد أن أرسل إليهم هوداً - عليه السّلام - فيكون قوله { يرسل السماء } وعْداً وتنبيهاً على غضب الله عليهم ، وقد كانت ديارهم من حضرموت إلى الأحْقاف مدناً وحللاً وقباباً . وكانوا أيضاً معجبين بقوة أمتهم وقالوا { مَنْ أشد منا قوةٌ } فصلت 15 فلذلك جعل الله لهم جزاء على ترك الشرك زيادةَ قوتهم بكثرة العدد وصحة الأجسام وسعة الأرزاق ، لأن كلّ ذلك قوة للأمة يجعلها في غنى عن الأمم الأخرى وقادرة على حفظ استقلالها ويجعل أمماً كثيرة تحتاج إليها . و { إلى قوتكم } متعلق بـ { يزدكم } . وإنما عدّي بـ { إلى } لتضمينه معنى يَضُمّ . وهذا وعد لهم بصلاح الحال في الدنيا - رضي الله عنهم - . وعطف عليه { ولا تتولوا مجرمين } تحذيراً من الرجوع إلى الشرك . والتولّي الانصراف . وهو هنا مجاز عن الإعراض . و { مجرمين } حال من ضمير { تتولوا } أي متصفين بالإجرام ، وهو الإعراض عن قبول أمر الله تعالى .