Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 6-6)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

عطف على جملة { يعلم ما يُسرّون وما يعلنون } هود 5 . والتقدير وما من دابّة إلاّ يعلم مُستقرها ومُستودعها ، وإنما نُظم الكلام على هذا الأسلوب تفنناً لإفادة التنصيص على العموم بالنفي المؤكد بـمن ، ولإدماج تعميم رزق الله كل دابّة في الأرض في أثناء إفادة عموم علمه بأحوال كل دابة ، فلأجل ذلك أخّرَ الفعل المعطوف لأن في التذكير بأن الله رازق الدواب التي لا حيلة لها في الاكتساب استدلالاً على أنّه عليم بأحوالها ، فإن كونه رازقاً للدواب قضية من الأصول الموضوعة المقبولة عند عموم البشر ، فمن أجل ذلك جعل رزق الله إياها دليلاً على علمه بما تحتاجه . والدابة في اللغة اسم لما يدب أي يمشي على الأرض غير الإنسان . وزيادة { في الأرض } تأكيد لمعنى { دابة } في التنصيص على أن العموم مستعمل في حقيقته . والرزق الطعام ، وتقدم في قوله تعالى { وجد عندها رزقاً } آل عمران 37 . والاستثناء من عموم الأحوال التابع لعموم الذوات والمدلول عليه بذكر رزقها الذي هو من أحوالها . وتقديم { على الله } قبل متعلقه وهو { رزقها } لإفادة القصر ، أي على الله لا على غيره ، ولإفادة تركيب { على الله رزقها } معنى أن الله تكفّل برزقها ولم يهمله ، لأن على تدل على اللزوم والمحقوقية ، ومعلوم أن الله لاَ يُلْزمُهُ أحدٌ شيئاً ، فما أفاد معنى اللزوم فإنّما هو التزامه بنفسه بمقتضى صفاته المقتضية ذلك له كما أشار إليه قوله تعالى { وعداً علينا } الأنبياء 104 وقوله { حقاً علينا } يونس 103 . والاستثناء من عموم ما يسند إليه رزق الدواب في ظاهر ما يبدو للناس أنّه رزق من أصحاب الدواب ومن يربونها ، أي رزْقها على الله لا على غيره . فالمستثنى هو الكون على الله ، والمستثنى منه مطلق الكون مما يُتخيّل أنه رزاق فحصر الرزق في الكون على الله مجاز عقلي في العرف باعتبار أن الله مسبب ذلك الرزق ومُقدره . وجملة { ويعلم مُستقرّها ومُستودَعَها } عطف على جملة الاستثناء لا على المستثنى ، أي والله يعلم مستقر كلّ دابة ومستودَعها . فليس حكم هذه الجملة بداخل في حيّز الحصر . والمستقَرّ محلّ استقرارها . والمستودع محلّ الإيداع ، والإيداع الوضع والدخر . والمراد به مستودعها في الرحم قبل بروزها إلى الأرض كقوله { وهو الذي أنشأكم من نفس واحدةٍ فمستقر ومستودع } في سورة الأنعام 98 . وتنوين { كلّ } تنوين عوض عن المضاف إليه اختصار ، أي كلّ رزقها ومستقرها ومستودعها في كتاب مبين ، أي كتابة ، فالكتاب هنا مصدر كقوله { كتابَ الله عليكم } النساء 24 . وهو مستعمل في تقدير العلم وتحقيقه بحيث لا يقبل زيادة ولا نقصاناً ولا تخلفاً . كما أن الكتابة يقصد منها أن لا يزاد في الأمر ولا ينقص ولا يبطل . قال الحارث بن حلزة @ حذر الجور والتطاخي وهل ينقــ ـض ما في المهارق الأهواء @@ والمُبين اسم فاعل أبان بمعنى أظهر ، وهو تخييل لاستعارة الكتاب للتقدير . وليس المراد أنّه موضح لمن يطَالعه لأن علم الله وقدره لا يطلع عليه أحد .