Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 31-32)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

حقّ سمع أن يعدّى إلى المسموع بنفسه ، فتعديته بالباء هنا إما لأنه ضمن معنى أخْبِرت ، كقول المثل « تسمع بالمعيدي خير من أن تراه » أي تخبر عنه . وإما أن تكون الباء مزيدة للتوكيد مثل قوله تعالى { وامسحوا برؤوسكم } سورة المائدة 6 . وأطلق على كلامهن اسم المكر ، قيل لأنهن أردن بذلك أن يبلغ قولهن إليها فيغريَها بعَرضها يوسف عليه السّلام عليهن فيريْنَ جماله لأنهن أحببن أن يرينه . وقيل لأنهن قلنه خفية فأشبه المكر ، ويجوز أن يكون أطلق على قولهن اسم المكر لأنهن قلنه في صورة الإنكار وهن يُضمرن حسَدَها على اقتناء مثله ، إذ يجوز أن يكون الشغف بالعبد في عادتهم غير منكر . { وأعتدت } أصله أعددت ، أبدلت الدال الأولى تاء ، كما تقدم عند قوله تعالى { وأعتدنا للكافرين عذاباً مُهيناً } في سورة النساء 37 . والمتّكأ محل الاتكاء . والاتكاء جِلسة قريبة من الاضطجاع على الجنب مع انتصاب قليل في النصف الأعلى . وإنما يكون الاتكاء إذا أريد إطالة المكث والاستراحة ، أي أحضرت لهن نمارق يتّكِئْن عليها لتناول طعام . وكان أهل الترف يأكلون متكئين كما كانت عادةً للرومان ، ولم تزل أسرّة اتكائهم موجودة في ديار الآثار . وقال النبي صلى الله عليه وسلم " أمّا أنَا فلا آكلُ متكئاً " ومعنى { آتت } أمرت خدمها بالإيتاء كقوله { يا هامان ابن لي صرحاً } سورة غافر 36 . والسكين آلة قطع اللحم وغيره . قيل أحضرت لهن أتْرُجاً ومَوْزاً فحضرن واتكأن ، وقد حذف هذان الفعلان إيجازاً . وأعطت كل واحدة سكيناً لقشر الثمار . وقولها { أُخرج عليهن } يقتضي أنه كان في بيت آخر وكان لا يدخل عليها إلا بإذنها . وعدّي فعل الخروج بحرف على لأنه ضمن معنى أُدخل لأن المقصود دخوله عليهن لا مجرد خروجه من البيت الذي هو فيه . ومعنى { أكبرنه } أعظمنه ، أي أعظمن جماله وشمائله ، فالهمزة فيه للعدّ ، أي أعددنه كبيراً ، وأطلق الكبر على عظيم الصفات تشبيهاً لِوفرة الصفات بعظم الذات . وتقطيع أيديهن كان من الذهول ، أي أجرين السكاكين على أيديهن يحسبن أنهن يقطعن الفواكه . وأريد بالقطع الجُرح ، أطلق عليه القطع مجازاً للمبالغة في شدته حتى كأنه قَطْع قطعة من لحم اليد . و { حاش لله } تركيب عربي جرى مجرى المثل يراد منه إبطال شيء عن شيء وبراءته منه . وأصل حاشا فعل يدل على المباعدة عن شيء ، ثم يعامل معاملة الحرف فيجَرُّ به في الاستثناء فيقتصر عليه تارة . وقد يوصل به اسم الجلالة فيصير كاليمين على النفي يقال حَاشَا الله ، أي أحاشيه عن أن يكذب ، كما يقال لا أقسم . وقد تزاد فيه لام الجر فيقال حاشا لله وحاش لله ، بحذف الألف ، أي حاشا لأجله ، أي لخوفه أن أكذب . حكي بهذا التركيب كلام قالته النسوة يدل على هذا المعنى في لغة القبط حكاية بالمعنى . وقرأ أبو عَمرو « حاشا لله » بإثبات ألف حاشا في الوصل ، وقرأ البقية بحذفها فيه . واتفقوا على الحذف في حالة الوقف . وقولهن { مَا هذا بشراً } مبالغة في فَوْته محاسن البشر ، فمعناه التفضيل في محاسن البشر ، وهو ضد معنى التشابه في باب التشبيه . ثم شبّهنه بواحد من الملائكة بطريقة حصره في جنس الملائكة تشبيهاً بليغاً مؤكّداً . وكان القبط يعتقدون وجود موجودات علوية هي من جنس الأرواح العلوية ، ويعبرون عنها بالآلهة أو قضاة يوم الجزاء ، ويجعلون لها صوراً ، ولعلهم كانوا يتوخّوْن أن تكون ذواتاً حسنة . ومنها ما هي مدافعة عن الميت يوم الجزاء . فأطلق في الآية اسم الملك على ما كانت حقيقته مماثلة لحقيقة مسمّى الملك في اللغة العربية تقريباً لأفهام السامعين . فهذا التشبيه من تشبيه المحسوس بالمتخيل ، كقول امرىء القيس @ ومسنونة زرق كأنياب أغوال @@ والفاء في { فذلكن } فاء الفصيحة ، أي إن كان هذا كما زعمتُنّ ملكاً فهو الذي بلَغكن خبره فلمتنني فيه . و { لمتنني فيه } في للتعليل ، مثل " دخلت امرأةٌ النار في هرة " وهنالك مضاف محذوف ، والتقدير في شأنه أو في محبته . والإشارة بـــ ذلكن لتمييز يوسف ـــ عليه السّلام ـــ ، إذ كُنّ لم يرينَه قبلُ . والتعبير عنه بالموصولية لعدم علم النسوة بشيء من معرّفاته غير تلك الصلة ، وقد باحت لهن بأنها راودته لأنها رأت منهن الافتتان به فعلمت أنهن قد عذرنها . والظاهر أنهن كن خلائل لها فلم تكتم عنهن أمرها . واستعصم مبالغة في عصم نفسه ، فالسين والتاء للمبالغة ، مثل استمسك واستجمع الرأي واستجاب . فالمعنى أنه امتنع امتناع معصوم ، أي جَاعلاً المراودة خطيئة عصم نفسه منها . ولم تزل مصممة على مراودته تصريحاً بفرط حبها إياه ، واستشماخاً بعظمتها ، وأن لا يعصي أمرها ، فأكدت حصول سجنه بنوني التوكيد ، وقد قالت ذلك بمسمع منه إرهاباً له . وحذف عائد صلة { ما آمره } وهو ضمير مجرور بالباء على نزع الخافض مثل أمرتك الخير … والسجن ـــ بفتح السين ـــ قياس مصدر سجَنه ، بمعنى الحبس في مكان محيط لا يخرج منه . ولم أره في كلامهم ـــ بفتح السين ـــ إلا في قراءة يعقوب هذه الآية . والسجن ـــ بكسر السين ـــ اسم للبيت الذي يسجن فيه ، كأنهم سموه بصيغة المفعول كالذبح وأرادوا المسجون فيه . وقد تقدم قولها آنفاً { إلا أن يُسجن أو عذابٌ أليم } سورة يوسف 25 . والصاغر الذليل . وتركيب من { الصاغرين } أقوى في معنى الوصف بالصّغار من أن يقال وليكونن صاغراً ، كما تقدم عند قوله تعالى { قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين } في سورة البقرة 67 ، وقوله { وكونوا مع الصادقين } في آخر سورة براءة 119 . وإعداد المُتّكأ لهن ، وبَوحُها بسرّها لهن يدل على أنهن كن من خلائلها .