Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 53-53)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ظاهر ترتيب الكلام أن هذا من كلام امرأة العزيز ، مضت في بقية إقرارها فقالت { وما أبرىء نفسي } . وذلك كالاحتراس مما يقتضيه قولها { ذلك لِيَعْلَم أني لم أخنْه بالغيب } سورة يوسف 52 من أن تبرئة نفسها من هذا الذنب العظيم ادعاءٌ بأن نفسها بريئة براءة عامة فقالت { وما أبرىء نفسي } ، أي ما أبرىء نفسي من محاولة هذا الإثم لأن النفس أمّارة بالسوء وقد أمرتني بالسوء ولكنه لم يقع . فالواو التي في الجملة استئنافية ، والجملة ابتدائية . وجمة { إن النفس لأمارة بالسوء } تعليل لجملة { وما أبرىء نفسي } ، أي لا أدعي براءة نفسي من ارتكاب الذنب ، لأن النفوس كثيرة الأمر بالسوء . والاستثناء في { إلا ما رحم ربي } استثناء من عموم الأزمان ، أي أزمان وقوع السوء ، بناءً على أن أمر النفس به يبعث على ارتكابه في كلّ الأوقات إلاّ وقت رحمة الله عبده ، أي رحمته بأن يقيّض له ما يصرفه عن فعل السوء ، أو يقيض حائلاً بينه وبين فعل السوء ، كما جعل إباية يوسف ــــ عليه السلام ــــ من إجابتها إلى ما دعتْه إليه حائلاً بينها وبين التورط في هذا الإثم ، وذلك لطف من الله بهما . ولذلك ذيلته بجملة { إن ربي غفور رحيم } ثناءً على الله بأنه شديد المغفرة لمن أذنب ، وشديد الرحمة لعبده إذا أراد صرفه عن الذنب . وهذا يقتضي أن قومها يؤمنون بالله ويحرمون الحرام ، وذلك لا ينافي أنهم كانوا مشركين فإن المشركين من العرب كانوا يؤمنون بالله أيضاً ، قال تعالى { ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولُن الله } سورة العنكبوت 61 وكانوا يعرفون البر والذنب . وفي اعتراف امرأة العزيز بحضرة الملك عبرة بفضيلة الاعتراف بالحق ، وتبرئة البريء مما ألصق به ، ومن خشية عقاب الله الخائنين . وقيل هذا الكلام كلام يوسف عليه السلام متصل بقوله { ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن } الآية سورة يوسف 50 . وقوله { قال ما خَطْبُكُنّ إذ رَاوَدْتُنّ يوسف } سورة يوسف 51 إلى قوله { وأن الله لا يهدي كَيْد الخائنين } سورة يوسف 52 اعتراض في خلال كلام يوسف عليه السلام . وبذلك فسّرها مجاهد وقتادة وأبو صالح وابن جريج والحسن والضحّاك والسدّي وابن جبير ، واقتصر عليه الطبري . قال في الكشاف وكفى بالمعنى دليلاً قائداً إلى أن يجعل من كلام يوسف ــــ عليه السلام ــــ ، ونحوُه قوله { قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم من أرضكم } سورة الأعراف 109 - 110 ثم قال { فماذا تأمرون } سورة الأعراف 110 وهو من كلام فرعون يخاطبهم ويستشيرهم ا هـ . يريد أن معنى هذه الجملة أليق بأن يكون من كلام يوسف عليه السلام لأن من شأنه أن يصدر عن قلب مليء بالمعرفة . وعلى هذا الوجه يكون ضمير الغيبة في قوله { لم أخنه } سورة يوسف 52 عائداً إلى معلوم من مقام القضية وهو العزيز ، أي لم أخن سيدي في حرمته حال مغيبه . ويكون معنى { وما أبرىء نفسي } الخ . مثل ما تقدم قصد به التواضع ، أي لست أقول هذا ادعاء بأن نفسي بريئة من ارتكاب الذنوب إلا مدة رحمة الله النفس بتوفيقها لأكف عن السوء ، أي أني لم أفعل ما اتهمت به وأنا لست بمعصوم .