Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 99-100)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

طوى ذكر سفرهم من بلادهم إلى دخولهم على يوسف ــــ عليه السلام ــــ إذ ليس فيه من العبر شيء . وأبواه أحدهما يعقوب عليه السلام وأما الآخر فالصحيح أن أم يوسف ــــ عليه السلام ــــ وهي راحيل توفيت قبل ذلك حين ولدت بنيامين ، ولذلك قال جمهور المفسّرين أطلق الأبوان على الأب زوج الأب وهي ليئة خالة يوسف ــــ عليه السلام ــــ وهي التي تولت تربيته على طريقة التغليب والتنزيل . وإعادة اسم يوسف ــــ عليه السلام ــــ لأجل بعد المعاد . وقوله { ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين } جملة دعائية بقرينة قوله { إن شاء الله } لكونهم قد دخلوا مصر حينئذٍ . فالأمر في { ادخلوا } للدعاء كالذي في قوله تعالى { ادخلوا الجنة لا خوف عليكم } الأعراف 49 . والمقصود تقييد الدخول بـ { آمنين } وهو مناط الدعاء . والأمنُ حالة اطمئنان النفس وراحة البال وانتفاء الخوف من كل ما يخاف منه ، وهو يجمع جميع الأحوال الصالحة للإنسان من الصحة والرزق ونحو ذلك . ولذلك قالوا في دعوة إبراهيم ــــ عليه السلام ــــ { ربّ اجعل هذا البلد آمناً } إنه جمع في هذه الجملة جميع ما يطلب لخير البلد . وجملة { إن شاء الله } تأدب مع الله كالاحتراس في الدعاء الوارد بصيغة الأمر وهو لمجرد التيمّن ، فوقوعه في الوعد والعزم والدعاءِ بمنزلة وقوع التسمية في أول الكلام وليس هو من الاستثناء الوارد النهي عنه في الحديث أن لا يقول اغفر لي إن شئت ، فإنه لا مُكره له لأن ذلك في الدعاء المخاطب به الله صراحة . وجملة { إن شاء الله } معترضة بين جملة { ادخلوا } والحال من ضميرها . والعرش سرير للقعود فيكون مرتفعاً على سوق ، وفيه سعة تمكن الجالس من الاتّكاء . والسجود وضع الجبهة على الأرض تعظيماً للذات أو لصورتها أو لذِكرها ، قال الأعشى @ فلما أتانا بُعيد الكَرى سَجدنا له ورفَعْنا العَمَارا @@ وفعله قاصر فيعدى إلى مفعوله باللام كما في الآية . والخرور الهوي والسقوط من علو إلى الأرض . والذين خروا سُجداً هم أبواه وإخوته كما يدل له قوله { هذا تأويل رؤياي } وهم أحد عشر وهم رأوبين ، وشمعون ، ولاوي ، ويهوذا ، ويساكر ، وربولون ، وجاد ، وأشير ، ودان ، ونفتالي ، وبنيامين . و { الشمس } ، و { القمر } ، تعبيرهما أبواه يعقوب ــــ عليه السلام ــــ وراحيل . وكان السجود تحية الملوك وأضرابهم ، ولم يكن يومئذٍ ممنوعاً في الشرائع وإنما منعه الإسلام لغير الله تحقيقاً لمعنى مساواة الناس في العبودية والمخلوقية . ولذلك فلا يعدّ قبوله السجودَ من أبيه عقوقاً لأنه لا غضاضة عليهما منه إذ هو عادتهم . والأحسن أن تكون جملة { وخروا } حالية لأن التحية كانت قبل أن يرفع أبويه على العرش ، على أن الواو لا تفيد ترتيباً . و { سجدا } حال مبيّنة لأن الخرور يقع بكيفيات كثيرة . والإشارة في قوله { هذا تأويل رؤياي } إشارة إلى سجود أبويه وإخوته له هو مصداق رؤياه الشمس والقمر وأحد عشر كوكباً سُجداً له . وتأويل الرؤيا تقدم عند قوله { نبئنا بتأويله } سورة يوسف 36 . ومعنى { قد جعلها ربي حقا } أنها كانت من الأخبار الرمزية التي يكاشِف بها العقل الحوادث المغيبة عن الحس ، أي ولم يجعلها باطلاً من أضغاث الأحلام الناشئة عن غلبة الأخلاط الغذائية أو الانحرافات الدماغية . ومعنى { أحسن بي } أحسن إليّ . يقال أحسن به وأحسن إليه ، من غير تضمين معنى فعل آخر . وقيل هو بتضمين أحسن معنى لطف . وباء { بي } للملابسة أي جعل إحسانه ملابساً لي ، وخصّ من إحسان الله إليه دون مطلق الحضور للامتيار أو الزيادة إحسانين هما يوم أخرجه من السجن ومجيء عشيرته من البادية . فإن { إذْ } ظرف زمان لفعل { أحسن } فهي بإضافتها إلى ذلك الفعل اقتضت وقوع إحسان غير معدود ، فإن ذلك الوقت كان زمنَ ثبوت براءته من الإثم الذي رمته به امرأة العزيز وتلك منة ، وزمنَ خلاصه من السجن فإن السجن عذاب النفس بالانفصال عن الأصدقاء والأحبّة ، وبخلطة من لا يشاكلونه ، وبشْغله عن خلوة نفسه بتلقي الآداب الإلهية ، وكان أيضاً زمن إقبال الملك عليه . وأما مجيء أهله فزوال ألم نفساني بوحشته في الانفراد عن قرابته وشوقه إلى لقائهم ، فأفصح بذكر خروجه من السجن ، ومجيء أهله من البدوِ إلى حيث هو مكين قويّ . وأشار إلى مصائبه السابقة من الإبقاء في الجبّ ، ومشاهدة مكر إخوته به بقوله { من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي } ، فكلمة { بعد } اقتضت أن ذلك شيء انقضى أثره . وقد ألم به إجمالاً اقتصاراً على شكر النعمة وإعراضاً عن التذكير بتلك الحوادث المكدرة للصلة بينه وبين إخوته فمرّ بها مرّ الكرام وباعدها عنهم بقدر الإمكان إذ ناطها بنزغ الشيطان . والمجيء في قوله { وجاء بكم من البدو } نعمة ، فأسنده إلى الله تعالى وهو مجيئهم بقصد الاستيطان حيث هو . والبَدْو ضد الحضر ، سمي بَدواً لأن سكانه بادُون ، أي ظَاهرون لكل واردٍ ، إذ لا تحجبهم جدران ولا تغلق عليهم أبواب . وذكر { من البدو } إظهار لتمام النعمة ، لأن انتقال أهل البادية إلى المدينة ارتقاء في الحضارة . والنزغ مجاز في إدخال الفساد في النفس . شُبه بنزغ الراكب الدابّة وهو نخسها . وتقدم عند قوله تعالى { وإما ينزغنّك من الشيطان نزغ } في سورة الأعراف 200 . وجملة { إن ربي لطيف لما يشاء } مستأنفة استئنافاً ابتدائياً لقصد الاهتمام بها وتعليم مضمونها . واللطف تدبير الملائم . وهو يتعدّى باللام على تقدير لطيف لأجل ما يشاء اللطف به ، ويتعدى بالباء قال تعالى { الله لطيف بعباده } الشورى 19 . وقد تقدم تحقيق معنى اللطف عند قوله تعالى { وهو اللطيف الخبير } في سورة الأنعام 103 . وجملة { إنه هو العليم الحكيم } مستأنفة أيضاً أو تعليل لجملة { إن ربي لطيف لما يشاء } . وحرف التوكيد للاهتمام ، وتوسيط ضمير الفصل للتقوية . وتفسير { العليم } تقدم عند قوله تعالى { إنك أنت العليم الحكيم } في سورة البقرة 32 . و { الحكيم } تقدم عند قوله { فاعلموا أن الله عزيز حكيم } أواسط سورة البقرة 209 .