Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 13, Ayat: 16-16)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ قُلْ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ قُلِ ٱللَّهُ قُلْ أَفَٱتَّخَذْتُمْ مِّن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ لاَ يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا } لما نهضت الأدلة الصريحة بمظاهر الموجودات المتنوعة على انفراده بالإلهية من قوله { الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها } سورة الرعد 2 وقوله { وهو الذي مدّ الأرض } سورة الرعد 3 وقوله { الله يعلم ما تحمل كل أنثى } سورة الرعد 8 وقوله { هو الذي يريكم البرق } سورة الرعد 12 الآيات ، وبما فيها من دلالة رمزية دقيقة من قوله { له دعوة الحق } سورة الرعد 14 وقوله { ولله يسجد من في السماوات } سورة الرعد 15 إلى آخرها لا جرم تهيّأ المقام لتقرير المشركين تقريراً لا يجدون معه عن الإقرار مندوحة ، ثم لتقريعهم على الإشراك تقريعاً لا يسعهم إلاّ تجرّع مرارته ، لذلك استؤنف الكلام وافتتح بالأمر بالقول تنويهاً بوضوح الحجة . ولكون الاستفهام غير حقيقي جاء جوابه من قِبَل المستفِهم . وهذا كثير في القرآن وهو من بديع أساليبه ، كقوله { عم يتساءلون عن النبأ العظيم } سورة النبأ 1 - 2 . وتقدم عند قوله تعالى { قل لمن ما في السماوات والأرض قل لله كتب على نفسه الرحمة } في سورة الأنعام 12 . وإعادة فعل الأمر بالقول في { قل أفاتخذتم من دونه أولياء } الذي هو تفريع على الإقرار بأن الله ربّ السماوات والأرض لقصد الاهتمام بذلك التفريع لما فيه من الحجة الواضحة . فالاستفهام تقرير وتوبيخ وتسفيه لرأيهم بناءً على الإقرار المسلّم . وفيه استدلال آخر على عدم أهلية أصنامهم للإلهية فإن اتخاذهم أولياء من دونه معلوم لا يحتاج إلى الاستفهام عنه . وجملة { لا يملكون } صفة لــــ { أولياء } ، والمقصود منها تنبيه السامعين للنظر في تلك الصفة فإنهم إن تدبروا علموها وعلموا أن من كانت تلك صفته فليس بأهل لأن يعبد . ومعنى الملك هنا القدرة كما في قوله تعالى { قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضراً ولا نفعاً } في سورة العقود 76 . وفي الحديث " أوَ أمْلِك لك أنْ نزع الله من قلبك الرحمة " وعطف الضر على النفع استقصاء في عجزهم لأن شأن الضرّ أنه أقرب للاستطاعة وأسهل . { قُلْ هَلْ يَسْتَوِى ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِى ٱلظُّلُمَـٰتُ وَٱلنُّورُ } إعادة الأمر بالقول للاهتمام الخاصّ بهذا الكلام لأن ما قبله إبطال لاستحقاق آلهتهم العبادة . وهذا إظهار لمزية المؤمنين بالله على أهل الشرك ، ذلك أن قوله { قل من رب السماوات والأرض قل الله } تضمّن أن الرسول ــــ عليه السلام ــــ دعا إلى إفراد الله بالربوبية وأن المخاطبين أثبتوا الربوبية للأصنام فكان حالهم وحاله كحال الأعمى والبصير وحال الظلمات والنور . ونفي التسوية بين الحالين يتضمن تشبيهاً بالحالين وهذا من صيغ التشبيه البليغ . و { أم } للإضراب الانتقالي في التشبيه . فهي لتشبيه آخر بمنزلة { أو } في قول لبيد @ أوْ رَجْعُ واشمة أسف نؤورها @@ وقوله تعالى { أو كصيب من السماء } . وأظهر حرف { هل } بعد { أم } لأن فيه إفادة تحقيق الاستفهام . وذلك ليس مما تغني فيه دلالة { أم } على أصل الاستفهام ولذلك لا تظهر الهمزة بعد { أم } اكتفاء بدلالة { أم } على تقدير استفهام . وجمع الظلمات وإفراد النور تقدم عند قوله تعالى { وجعل الظلمات والنور } في أول سورة الأنعام 1 . واختير التشبيه في المتقابلات العَمَى والبصر ، والظلمة والنور ، لتمام المناسبة لأن حال المشركين أصحاب العمى كحال الظلمة في انعدام إدراك المبصرات ، وحال المؤمنين كحال البصر في العلم وكحال النور في الإفاضة والإرشاد . وقرأ الجمهور { تستوى الظلمات } بفوقية في أوله مراعاة لتأنيث الظلمات . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم ، وخلف ــــ بتحتية في أوله وذلك وجه في الجمع غير المذكر السالم . { أَمْ جَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ ٱلْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ ٱللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ } { أم } للإضراب الانتقالي في الاستفهام مقابل قوله { أفأتخذتم من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً } ، فالكلام بعد أم استفهام حذفت أداته لدلالة أم عليها . والتقدير { أم جعلوا لله شركاء } . والتُفت عن الخطاب إلى الغيبة إعراضاً عنهم لما مضى من ذكر ضلالهم . والاستفهام مستعمل في التهكم والتغليط . فالمعنى لو جعلوا لله شركاء يخلقون كما يَخلق الله لكانت لهم شبهة في الاغترار واتخاذهم آلهة ، أي فلا عذر لهم في عبادتهم ، فجملة { خلقوا } صفة لــــ { شركاء } . وشِبْه جملة { كخلقه } في معنى المفعول المطلق ، أي خلقوا خلقاً مثل مَا خلق الله . والخلق في الموضعين مصدر . وجملة { فتشابه } عطف على جملة { خلقوا كخلقه } فهي صفة ثانية لــــ { شركاء } ، والرابط اللام في قوله { الخلق } لأنها عوض عن الضمير المضاف إليه . والتقدير فتشابه خلقهم عليهم . والوصفان هما مصب التهكم والتغليط . وجملة { قل الله خالق كل شيء } فذلكة لما تقدم ونتيجة له ، فإنه لما جاء الاستفهام التوبيخي في { أفاتخذتم من دونه أولياء } سورة الرعد 16 وفي { أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه } كان بحيث ينتج أن أولئك الذين اتخذوهم شركاء لله والذين تبين قصورهم عن أن يملكوا لأنفسهم نفعاً أو ضراً ، وأنهم لا يخلقون كخلق الله إن هم إلا مخلوقات لله تعالى ، وأن الله خالق كل شيء ، وما أولئك الأصنام إلا أشياء داخلة في عموم { كل شيء } وأن الله هو المتوحد بالخلق ، القهّار لكل شيء دونه . ولتعين موضوع الوحدة ومتعلق القهر حذف متعلقهما . والتقدير الواحد بالخلق القهّار للموجودات . والقهر الغلبة ، وتقدم عند قوله تعالى { وهو القاهر فوق عباده } في سورة الأنعام 18 .