Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 14, Ayat: 15-17)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

جملة { واستفتحوا } يجوز أن تكون معطوفة على جملة { فأوحى إليهم ربهم } ، أو معترضة بين جملة { ولنسكننكم الأرض من بعدهم } وبين جملة { وخاب كل جبار عنيد } . والمعنى أنهم استعجلوا النصر . وضمير { استفتحوا } عائد إلى الرسل ، ويكون جملة { وخاب كل جبار عنيد } عطفاً على جملة { فأوحى إليهم ربهم } الخ ، أي فوعدهم الله النصر وخاب الذين كفروا ، أي لم يتحقق توعدهم الرسل بقولهم { لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا } . ومقتضى الظاهر أن يقال وخاب الذين كفروا ، فعدل عنه إلى { كل جبار عنيد } للتنبيه على أن الذين كفروا كانوا جبابرة عنداء وأن كل جبار عنيد يخيب . ويجوز أن تكون جملة { استفتحوا } عطفاً على جملة { وقال الذين كفروا لرسلهم } ويكون ضمير { استفتحوا } عائداً على الذين { كفروا } ، أي وطلبوا النصر على رسلهم فخابوا في ذلك . ولكون في قوله { وخاب كل جبار عنيد } إظهار في مقام الإضمار عدل عن أن يقال وخابوا ، إلى قوله { كل جبار عنيد } لمثل الوجه الذي ذكر آنفاً . والاستفتاح طلب الفتح وهو النصر ، قال تعالى { إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح } سورة الأنفال 19 . والجبار المتعاظم الشديد التكبر . والعنيد المعاند للحق . وتقدما في قوله { واتبعوا أمر كل جبار عنيد } في سورة هود 59 . والمراد بهم المشركون المتعاظمون ، فوصف { جبار } خلُق نفساني ، ووصف { عنيد } من أثر وصف { جبار } لأن العنيد المكابر المعارض للحجة . وبين { خاف وعيد } و { خاب كل جبار عنيد } جناس مصحف . وقوله { من ورائه جهنم } صفة لــــ { جبار عنيد } ، أي خاب الجبّار العنيد في الدنيا وليس ذلك حظه من العقاب بل وراءه عقاب الآخرة . والوراء مستعمل في معنى ما ينتظره ويحل به من بعد ، فاستعير لذلك بجامع الغفلة عن الحصول كالشيء الذي يكون من وراء المرء لا يشعر به لأنه لا يراه ، كقوله تعالى { وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصباً } سورة الكهف 79 ، أي وهم غافلون عنه ولو ظفر بهم لافتك سفينتهم ، وقول هدبة بن خشرم @ عسى الكرب الذي أمسيت فيه يكون وراءَه فَرج قريب @@ وأما إطلاق الوراء على معنى { من بَعْد } فاستعمال آخر قريب من هذا وليس عينه . والمعنى أن جهنم تنتظره ، أي فهو صائر إليها بعد موته . والصديد المُهلة ، أي مثل الماء يسيل من الدمل ونحوه ، وجعل الصديد ماء على التشبيه البليغ في الإسقاء ، لأن شأن الماء أن يُسْقى . والمعنى ويسقى صديداً عوض الماء إن طلب الإسقاء ، ولذلك جعل { صديد } عطفَ بيان لــــ { ماء } . وهذا من وجوه التشبيه البليغ . وعطف جملة { يسقى } على جملة { من ورائه جهنم } لأن السقي من الصديد شيء زائد على نار جهنم . والتجرع تكلف الجَرْع ، والجرع بلع الماء . ومعنى { يُسيغه } يفعل سوغه في حلقه . والسوغ انحدار الشراب في الحلق بدون غصة ، وذلك إذا كان الشراب غير كريه الطعم ولا الريح ، يقال ساغ الشراب ، وشراب سائغ . ومعنى { لا يكاد يسيغه } لا يقارب أن يسيغه فضلاً عن أن يسيغه بالفعل ، كما تقدم في قوله تعالى { وما كادوا يفعلون } في سورة البقرة 71 . وإتيان الموت حلوله ، أي حلول آلامه وسكراته ، قال قيس بن الخطيم @ متى يأت هذا الموت لا يلف حاجة لنفسي إلا قد قضيت قضاءها @@ بقرينة قوله { وما هو بميت } ، أي فيستريح . والكلام على قوله { ومن وراءه عذاب غليظ } مثل الكلام في قوله { من ورائه جهنم } ، أي ينتظره عذاب آخر بعد العذاب الذي هو فيه . والغليظ حقيقته الخشن الجسم ، وهو مستعمل هنا في القوة والشدة بجامع الوفرة في كل ، أي عذاب ليس بأخف مما هو فيه . وتقدم عند قوله { ونجيناهم من عذاب غليظ } في سورة هود 58 .