Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 14, Ayat: 24-26)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
استئناف ابتدائي اقتضته مناسبة ما حكي عن أحوال أهل الضلالة وأحوال أهل الهداية ابتداء من قوله تعالى { وبرزوا لله جميعاً } إلى قوله { تحيتهم فيها سلام } ، فضرب الله مثلاً لكلمة الإيمان وكلمة الشرك . فقوله { ألم تر كيف ضرب الله مثلاً } إيقاظ للذهن ليترقب ما يرد بعد هذا الكلام ، وذلك مثل قولهم ألم تعلم . ولم يكن هذا المثَل مما سبق ضربه قبل نزول الآية بل الآية هي التي جاءت به ، فالكلام تشويق إلى علم هذا المثل . وصوغ التشويق إليه في صيغة الزمن الماضي الدال عليها حرف { لَمْ } التي هي لنفي الفعل في الزمن الماضي والدالّ عليها فعل { ضرب } بصيغة الماضي لقصد الزيادة في التشويق لمعرفة هذا المثل وما مثل به . والاستفهام في { ألم تر } إنكاري ، نُزل المخاطب منزلة من لم يعلم فأنكر عليه عدم العلم ، أو هو مستعمل في التعجيب من عدم العلم بذلك مع أنه مما تتوفر الدواعي على علمه ، أو هو للتقرير ، ومثله في التقرير كثير ، وهو كناية عن التحريض على العلم بذلك . والخطاب لكل من يصلح للخطاب . والرؤية علمية معلّق فعلها عن العمل بما وليها من الاستفهام بــــ { كيف } . وإيثار { كيف } هنا للدلالة على أن حالة ضرب هذا المثل ذات كيفية عجيبة من بلاغته وانطباقه . وتقدم المثَل في قوله { مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً } في سورة البقرة 17 . وضَرْب المثل نَظْم تركيبه الدال على تشبيه الحالة . وتقدم عند قوله { أن يضرب مثلاً ما } في سورة البقرة 26 . وإسناد { ضرب } إلى اسم الجلالة لأن الله أوحى به إلى رسوله ــــ عليه الصلاة والسلام ــــ . والمثَل لما كان معنى متضمناً عدة أشياء صح الاقتصار في تعليق فعل { ضرب } به على وجه إجمال يفسره قوله { كلمة طيبة كشجرة } إلى آخره ، فانتصب { كلمة } على البدلية من { مثلاً } بدلَ مفصّل من مجمل ، لأن المثل يتعلق بها لما تدل عليه الإضافة في نظيره في قوله { ومثل كلمة خبيثة } . والكلمة الطيبة قيل هي كلمة الإسلام ، وهي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله والكلمة الخبيثة كلمة الشرك . والطيبة النافعة . استعير الطيب للنفع لحُسن وقعه في النفوس كوقع الروائح الذكية . وتقدم عند قوله تعالى { وجرين بهم بريح طيبة } في سورة يونس 22 . والفَرع ما امتد من الشيء وعَلا ، مشتق من الافتراع وهو الاعتلاء . وفرع الشجرة غصنها ، وأصل الشجرة جذرها . والسماء مستعمل في الارتفاع ، وذلك مما يزيد الشجرة بهجة وحسن منظر . والأُكْل بضم الهمزة المأكول ، وإضافته إلى ضمير الشجرة على معنى اللام . وتقدم عند قوله { ونفضل بعضها على بعض في الأكل } في سورة الرعد 4 . فالمشبّه هو الهيئة الحاصلة من البهجة في الحس والفرح في النفس ، وازدياد أصول النفع باكتساب المنافع المتتالية بهيئة رُسوخ الأصل ، وجمال المنظر ، ونماء أغصان الأشجار . ووفرة الثِمار ، ومتعة أكلها . وكل جزء من أجزاء إحدى الهيئتين يقابله الجزء الآخر من الهيئة الأخرى ، وذلك أكمل أحوال التمثيل أن يكون قابلاً لجمع التشبيه وتفريقه . وكذلك القول في تمثيل حال الكلمة الخبيثة بالشجرة الخبيثة على الضد بجميع الصفات الماضية من اضطراب الاعتقاد ، وضيق الصدر ، وكدر التفكير ، والضر المتعاقب . وقد اختصر فيها التمثيل اختصاراً اكتفاءً بالمضاد ، فانتفت عنها سائر المنافع للكلمة الطيبة . وفي جامع الترمذي عن أنس بن مالك ــــ رضي الله عنه ــــ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " مثل كلمة طيّبة كشجرة طيّبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها " قال هي النخلة ، { ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار } قال هي الحَنْظَل . وجملة { اجتثت من فوق الأرض } صفة لــــ { شجرة خبيثة } لأن الناس لا يتركونها تلتف على الأشجار فتقتلها . والاجتثاث قطع الشيء كلّه ، مشتق من الجُثة وهي الذات . و { من فوق الأرض } تصوير لــــ { اجتثت } . وهذا مقابل قوله في صفة الشجرة الطيبة { أصلها ثابت وفرعها في السماء } . وجملة { ما لها من قرار } تأكيد لمعنى الاجتثاث لأن الاجتثاث من انعدام القرار . والأظهر أن المراد بالكلمة الطيّبة القرآن وإرشاده ، وبالكلمة الخبيثة تعاليم أهل الشرك وعقائدهم ، فــــ الكلمة في الموضعين مطلقة على القول والكلام ، كما دل عليه قوله { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت } . والمقصود مَعَ التمثيل إظهارُ المقابلة بين الحالين إلا أن الغرض في هذا المقام بتمثيل كل حالة على حدة بخلاف ما يأتي عند قوله تعالى في سورة النحل { ضرب الله مثلا عبداً مملوكا } إلى قوله { ومن رزقناه منا رزقاً حسناً } ، فانظر بيانه هنالك . وجملة { ويضرب الله الأمثال للناس } معترضة بين الجملتين المتعاطفتين . والواو واو الاعتراض . ومعنى لعل رجاء تذكرهم ، أي تهيئة التذكر لهم ، وقد مضت نظائرها .