Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 14, Ayat: 28-29)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أعقب تمثيل الدينين ببيان آثارهما في أصحابهما . وابتُدىء بذكر أحوال المشركين لأنها أعجب والعبرة بها أولى والحذر منها مقدّم على التحلي بضدها ، ثم أعقب بذكر أحوال المؤمنين بقوله { قل لعبادي الذين آمنوا } الخ . والاستفهام مستعمل في التشويق إلى رؤية ذلك . والرؤية هنا بصرية لأن متعلقها مما يرى ، ولأن تعدية فعلها بــــ { إلى } يرجح ذلك ، كما في قوله { ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه } سورة البقرة 258 . وقد نزل المخاطب منزلة من لم ير . والخطاب لمن يصح منه النظر إلى حال هؤلاء الذين بدلوا نعمة الله مع وضوح حالهم . والكفر كفران النعمة ، وهو ضد الشكر ، والإشراك بالله من كفران نعمته . وفي قوله { بدلوا نعمة الله كفراً } محسن الاحتباك . وتقدير الكلام بدلوا نعمة الله وشُكرَها كفراً بها ونقمةً منه ، كما دل عليه قوله { وأحلوا قومهم دار البوار } الخ . واستعير التبديل لوضع الشيء في الموضع الذي يستحقه شيء آخر ، لأنه يشبه تبديل الذات بالذات . والذين بدلوا هذا التبديل فريق معرفون ، بقرينة قوله { ألم تر إلى الذين } ، وهم الذين تلقوا الكلمة الخبيثة من الشيطان ، أي كلمة الشرك ، وهم الذين استكبروا من مشركي أهل مكة فكابروا دعوة الإسلام وكذّبوا النبي صلى الله عليه وسلم وشرّدوا من استطاعوا ، وتسببوا في إحلال قومهم دار البوار ، فإسناد فعل { أحلوا } إليهم على طريقة المجاز العقلي . ونعمة الله التي بدلوها هي نعمة أن بوّأهُم حرمه ، وأمنهم في سفرهم وإقامتهم ، وجعل أفئدة الناس تهوي إليهم ، وسلمهم مما أصاب غيرهم من الحروب والغارات والعدوان ، فكفروا بمن وهبهم هذه النعم وعبدوا الحجارة . ثم أنعم الله عليهم بأن بعث فيهم أفضل أنبيائه ــــ صلى الله عليهم جميعاً ــــ وهداهم إلى الحق ، وهيّأ لهم أسباب السيادة والنجاة في الدنيا والآخرة ، فبدّلو شكر ذلك بالكفر به ، فنعمة الله الكبرى هي رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ودعوة إبراهيم وبنيّته ــــ عليهم السلام ــــ . وقومهم هم الذين اتبعوهم في ملازمة الكفر حتى ماتوا كفاراً ، فهم أحق بأن يضافوا إليهم . والبوار الهلاك والخسران . وداره محله الذي وقع فيه . والإحلال بها الإنزال فيها ، والمراد بالإحلال التسبب فيه ، أي كانوا سبباً لحلول قومهم بدار البوار ، وهي جهنم في الآخرة ، ومواقع القتل والخزي في الدنيا مثل موقع بدر ، فيجوز أن يكون { دار البوار } جهنم ، وبه فسر علي وابن عبّاس وكثير من العلماء ، ويجوز أن تكون أرض بدر وهو رواية عن علي وعن ابن عباس . واستعمال صيغة المضي في { أحلوا } لقصد التحقيق لأن الإحلال متأخر زمنه فإن السورة مكية . والمراد بــــ { الذين بدلوا نعمة الله كفراً وأحلوا قومهم دار البوار } صناديد المشركين من قريش ، فعلى تفسير { دار البوار } بدار البوار في الآخرة يكون قوله { جهنم } بدلاً من { دار البوار } وجملة { يصلونها } حالاً من { جهنم } ، فتخص { دار البوار } بأعظم أفرادها وهو النار ، ويجعل ذلك من ذكر بعض الأفراد لأهميته . وعلى تفسير { دار البوار } بأرض بدر يكون قوله { جهنم يصلونها } جملة مستأنفة استئنافاً ابتدائياً . وانتصابُ جهنم على أنه مفعول لفعل محذوف يدل عليه فعل { يصلونها } على طريقة الاشتغال . وما يروون عن عمر بن الخطاب ــــ رضي الله عنه ــــ وعن عليّ ــــ كرّم الله وجهه ــــ أن { الذين بدلوا نعمة الله كفراً } هم الأفجران من قريش بَنُو أمية وبنو المغيرة بن مخزوم ، قال فأما بنو أمية فمُتّعوا إلى حين وأما بنو المغيرة فكفيتموهم يوم بدر . فلا أحسبه إلا من وضع بعض المغرضين المضادين لبني أمية . وفي روايات عن عليّ ــــ كرّم الله وجهه ــــ أنه قال هم كفار قريش ، ولا يريد عمر ولا علي ــــ رضي الله عنهما ــــ من أسلموا من بني أمية فإن ذلك لا يقوله مسلم فاحذروا الأفهام الخطئة . وكذا ما روي عن ابن عباس أنهم جَبلة بن الأيهم ومن اتبعه من العرب الذين تنصروا في زمن عُمر وحلّوا ببلاد الروم ، فإذا صح عنه فكلامه على معنى التنظير والتمثيل وإلا فكيف يكون هو المراد من الآية وإنما حدث ذلك في خلافة عمر بن الخطاب ــــ رضي الله عنه ــــ . وجملة { وبئس القرار } عطف على جملة { يصلونها } ، أو حال من { جهنم } . والتقدير وبئس القرار هي .