Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 15, Ayat: 26-27)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

تكملة لإقامة الدليل على انفراده تعالى بخلق أجناس العوالم وما فيها . ومنه يتخلص إلى التذكير بعداوة الشيطان للبشر ليأخذوا حذرهم منه ويحاسبوا أنفسهم على ما يخامرها من وَسْواسه بما يرديهم . جاء بمناسبة ذكر الإحياء والإماتة فإن أهم الإحياء هو إيجاد النوع الإنساني . ففي هذا الخبر استدلال على عظيم القدرة والحكمة وعلى إمكان البعث ، وموعظةٌ وذكرى . والمراد بالإنسان آدم ــــ عليه السلام ــــ . والصلصال الطين الذي يترك حتى ييبس فإذا يبس فهو صلصال وهو شبه الفَخّار إلا أن الفَخّار هو ما يبس بالطبخ بالنّار . قال تعالى { خلق الإنسان من صلصال كالفخار } سورة الرحمن 14 . والحَمأ الطين إذا اسودّ وكرهت رائحته . وقوله { من حمإ } صفة لــــ { صلصال } و { مسنون } صفة لــــ { حمإ } أو لــــ { صلصال } . وإذ كان الصلصال من الحمأ فصفة أحدهما صفة للآخر . والمسنون الذي طالت مدة مكثه ، وهواسم مفعول من فعل سنّهُ إذا تركه مدة طويلة تشبه السّنة . وأحسب أن فعل سَن بمعنى ترك شيئاً مدة طويلة غيرُ مسموع . ولعل تَسَنّه بمعنى تغيّر من طول المدّة أصله مطاوع سَنه ثم تنوسي منه معنى المطاوعة . وقد تقدم قوله تعالى { لم يتسنّه } في سورة البقرة 259 . والمقصود من ذكر هذه الأشياء التنبيه على عجيب صنع الله تعالى إذ أخرج من هذه الحالة المهينة نوعاً هو سيد أنواع عالم المادة ذات الحياة . وفيه إشارة إلى أن ماهية الحياة تتقوم من الترابية والرطوبة والتعفن ، وهو يعطي حرارة ضعيفة . ولذلك تنشأ في الأجرام المتعفّنة حيوانات مثل الدود ، ولذلك أيضاً تنشأ في الأمزجة المتعفّنة الحمى . وفيه إشارة إلى الأطوار التي مرّت على مادة خلق الإنسان . وتوكيد الجملة بلام القسم وبحرف قد لزيادة التحْقيق تنبيهاً على أهميّة هذا الخلق وأنه بهذه الصفة . وعطف جملة { والجانّ خلقناه } إدماج وتمهيد إلى بيان نشأة العداوة بين بني آدم وجُند إبليس . وأكدت جملة { والجان خلقناه } بصيغة الاشتغال التي هي تقوية للفعل بتقدير نظيره المحذوف ، ولما فيها من الاهتمام بالإجمال ثم التفصيل لمثل الغرض الّذي أكدت به جملة { ولقد خلقنا الإنسان } الخ . وفائدة قوله { من قبل } أي من قبل خلق الإنسان تعليم أن خلق الجانّ أسبق لأنّه مخلوق من عنصر الحرارة والحرارة أسبق من الرطوبة . و { السموم } ــــ بفتح السين ــــ الريح الحارة . فالجنّ مخلوق من النارية والهوائية ليحصل الاعتدال في الحرارة فيقبل الحياة الخاصة اللائقة بخلقة الجنّ ، فكما كَوّن الله الحمأةَ الصلصالَ المسنونَ لخلق الإنسان ، كَون ريحاً حارة وجعل منها الجنّ . فهو مكون من حرارة زائدة على مقدار حرارة الإنسان ومن تهوية قويّة . والحكمة كلّها في إتقان المزج والتركيب .