Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 15, Ayat: 3-3)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما دلّت رُبّ على التقليل اقتضت أن استمرارهم على غلوائهم هو أكثر حالهم ، وهو الإعراض عما يدعوهم إليه الإسلام من الكمال النفسي ، فبإعراضهم عنه رضوا لأنفسهم بحياة الأنعام ، وهي الاقتصار على اللذات الجسدية ، فخوطب الرسول صلى الله عليه وسلم بما يُعرّض لهم بذلك من أن حياتهم حياة أكل وشرب . وذلك مما يتعيّرون به في مجاري أقوالهم كما في قول الحطيئة @ دَع المكارم لا تنهض لبُغيتها واقعُدْ فإنك أنتَ الطاعم الكاسي @@ وهم منغمسون فيما يتعيّرون به في أعمالهم قال تعالى { والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم } سورة محمد 12 . و { ذر } أمر لم يسمع له ماض في كلامهم . وهو بمعنى الترك . وتقدم في قوله { وذر الذين اتّخذوا دينهم لعباً ولهواً } في سورة الأنعام 70 . والأمر بتركهم مستعمل في لازمه وهو قلة جدوى الحرص على إصلاحهم . وليس مستعملاً في الإذن بمتاركتهم لأن النبي مأمور بالدوام على دعائهم . قال تعالى وذر الذين اتخذوا دينهم لعباً إلى قوله { وذكّر به أن تبسل نفس بما كسبت } سورة الأنعام 70 . فما أمره بتركهم إلا وقد أعقبه بأمره بالتذكير بالقرآن فعلم أن الترك مستعمل في عدم الرجاء في صلاحهم . وهذا كقول كبشة أُخت عمرو بن معد يكرب في قتل أخيها عبد الله تستنهض أخاها عمراً للأخذ بثأره @ وَدَعْ عنك عمرا إن عَمْرا مُسالِم وهل بَطن عَمرو غيرُ شِبر لمَطْعَم @@ وقد يستعمل هذا الفعل وما يراد به كناية عن عدم الاحتياج إلى الإعانة أو عن عدم قبول الوساطة كقوله تعالى { ذرني ومن خلقت وحيدا } سورة المدثر 11 ، وقوله { وذرني والمكذبين } سورة المزمل 11 . وقد يستعمل في الترك المجازي بتنزيل المخاطب منزلة المتلبّس بالضدّ كقول أبي تمام @ دعوني أنُحْ من قبل نوح الحمائم ولا تجعلوني عُرضة للوَائِم @@ إذ مثل هذا يقال عند اليأس والقنوط عن صلاح المرء . وقد حذف متعلق الترك لأن الفعل نزل منزلة ما لا يحتاج إلى متعلق ، إذ المعني به ترك الاشتغال بهم والبعد عنهم ، فلذلك عدّي فعل الترك إلى ذواتهم ليدل على اليأس منهم . و { يأكلوا } مجزوم بلام الأمر محذوفة كما تقدم بيانه عند قوله تعالى { قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة } في سورة إبراهيم 31 . وهو أمر للتوبيخ والتوعد والإنذار بقرينة قوله { فسوف يعلمون } . وهو كقوله { كلوا وتمتعوا قليلاً إنكم مجرمون } سورة المرسلات 46 . ولا يحسن جعله مجزوماً في جواب { ذرهم } لأنهم يأكلون ويتمتعون سواء ترك الرسول صلى الله عليه وسلم دعوتهم أم دعاهم . والتمتع الانتفاع بالمتاع . وقد تقدم غير مرة ، منها قوله { ومتاع إلى حين } في سورة الأعراف 24 . وإلهاء الأمل إياهم هو إنساؤه إياهم ما حقهم أن يتذكروه بأن يصرفهم تطلب ما لا ينالون عن التفكير في البعث والحياة الآخرة . و { الأمَلُ } مصدر . وهو ظن حصول أمر مرغوب في حصوله مع استبعاد حصوله . فهو واسطة بين الرجاء والطمع . ألا ترى إلى قول كعب @ أرجو وآمُل أن تدنو مودتها وما إخال لدينا منك تنويل @@ وتفرع على التعريض التصريح بالوعيد بقوله { فسوف يعلمون } بأنه مما يستعمل في الوعيد كثيراً حتى صار كالحقيقة . وفيه إشارة إلى أن لإمهالهم أجلاً معلوماً كقوله { وسوف يعلمون حين يرون العذاب } سورة الفرقان 42 .