Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 105-105)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذا ردّ لقولهم { إنما أنت مفتر } سورة النحل 101 بقلب ما زَعموه عليهم ، كما كان قوله تعالى { لسان الذي يلحدون إليه أعجمي } سورة النحل 103 جواباً عن قولهم { إنما يعلمه بشر } سورة النحل 103 . فبعد أن نزّه القرآن عن أن يكون مفترى والمنزّل عليه عن أن يكون مفترياً ثني العنان لبيان من هو المفتري . وهذا من طريقة القلب في الحال . ووجه مناسبة ذكره هنا أن قولهم إنما يعلمه بشر يستلزم تكذيب النبي في أن ما جاء به منزّل إليه من عند الله ، فصاروا بهذا الاعتبار يؤكّدون بمضمونه قولَهم { إنّما أنت مفتر } يؤكّد أحد القولين القولَ الآخر ، فلما رُدّ قولهم { إنما أنت مفتر } بقوله { بل أكثرهم لا يعلمون قل نزله روح القدس من ربك بالحق } سورة النحل 101 - 102 . ورُدّت مقالتهم الأخرى في صريحها بقوله { لسان الذي يلحدون إليه أعجمي } ، ورُدّ مضمونها هنا بقوله { إنما يفترى الكذب الذين لا يؤمنون } الآية ، حاصلاً به ردّ نظيرها أعني قولهم { إنما أنت مفتر } بكلام أبلغ من كلامهم ، لأنهم أتوا في قولهم { إنما أنت مفتر } بصيغة قصر هي أبلغ مما قالوه ، لأن قولهم { إنما أنت مفتر } قصر للمخاطب على صفة الافتراء الدائمة ، إذ الجملة الاسمية تقتضي الثبات والدّوام ، فردّ عليهم بصيغة تقصرهم على الافتراء المتكرّر المتجدّد ، إذ المضارع يدلّ على التجدّد . وأكّد فعل الافتراء بمفعوله الذي هو بمعنى المفعول المطلق لكونه آيلاً إليه المعنى . وعُرّف { الكذب } بأداة تعريف الجنس الدّالة على تميّز ماهية الجنس واستحضارها ، فإن تعريف اسم الجنس أقوى من تنكيره ، كما تقدّم في قوله تعالى { الحمد لله رب العالمين } سورة الفاتحة 2 . وعبّر عن المقصور عليهم باسم الموصول دون أن يذكر ضميرهم ، فيقال إنما يفتري الكذب أنتم ، ليفيد اشتهارهم بمضمون الصّلة ، ولأن للصّلة أثراً في افترائهم ، لما تفيده الموصولية من الإيماء إلى وجه بناء الخبر . وعليه فإن من لا يؤمن بالدلائل الواضحة التي هي آيات صدق لا يسعه إلا الافتراء لترويج تكذيبه بالدلائل الواضحة . وفي هذا كناية عن كون تكذيبهم بآيات الله عن مكابرة لا عن شبهة . ثم أردفت جملة القصر بجملة قصرٍ أخرى بطريق ضمير الفصل وطريق تعريف المسند وهي جملة { وأولئك هم الكاذبون } . وافتتحت باسم الإشارة ، بعد إجراء وصف انتفاء الإيمان بآيات الله عنهم ، لينبه على أن المشار إليهم جديرون بما يرد من الخبر بعد اسم الإشارة ، وهو قصرهم على الكذب ، لأن من لا يؤمن بآيات الله يتّخذ الكذب ديدناً له متجدّداً . وجعل المسند في هذه الجملة معرّفاً باللام ليفيد أن جنس الكاذبين اتّحد بهم وصار منحصراً فيهم ، أي الذين تَعرف أنهم طائفة الكاذبين هم هؤلاء . وهذا يؤول إلى معنى قصر جنس المسند على المسند إليه ، فيحصل قصران في هذه الجملة قصر موصوف على صفة ، وقصر تلك الصفة على ذلك الموصوف . والقصران الأوّلان الحاصلان من قوله { إنما يفتري } وقوله { وأولئك هم } إضافيان ، أي لا غيرهم الذي رموه بالافتراء وهو محاشًى منه ، والثالث { أولئك هم الكاذبون } قصر حقيقي ادّعائي للمبالغة ، إذ نزل بلوغ الجنس فيهم مبلغاً قوياً منزلة انحصاره فيهم . واختير في الصّلة صيغة { لا يؤمنون } دون لم يؤمنوا ، لتكون على وزان ما عُرفوا به سابقاً في قوله { الذين لا يؤمنون بآيات الله } ، ولما في المضارع من الدلالة على أنهم مستمرّون على انتفاء الإيمان لا يثبت لهم ضدّ ذلك .