Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 111-111)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يجوز أن يكون هذا استئنافاً وتذييلاً بتقدير اذْكر يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها ، وقع عقب التحذير والوعيد وعيداً للذين أنذروا ووعداً للذين بُشّروا . ويجوز أن يكون متّصلاً بقوله { إن ربك من بعدها لغفور رحيم } سورة النحل 110 ، فيكون انتصاب { يوم تأتي كل نفس } على الظرفية { لغفور رحيم } ، أي يغفر لهم ويرحمهم يوم القيامة بحيث لا يجدون أثراً لذنوبهم التي لا يخلو عنها غالب الناس ويجدون رحمة من الله بهم يومئذٍ . فهذا المعنى هو مقتضى الإتيان بهذا الظرف . والمجادلة دفاع بالقول للتخلّص من تبعة فِعل . وتقدم عند قوله تعالى { ولا تجادِل عن الذين يختانون أنفسهم } في سورة النساء 107 . والنّفس الأول بمعنى الذات والشخصِ كقوله { أنّ النفس بالنفس } سورة المائدة 45 . والنّفس الثانية ما به الشخص شخص فالاختلاف بينهما بالاعتبار كقول أعرابي قَتل أخُوه ابناً له من الحماسة @ أقول للنفس تَأسَاءً وَتسلية إحدى يديّ أصابتني ولم تُرِد @@ وتقدم في قوله { وتنسون أنفسكم } في سورة البقرة 44 . وذلك أن العرب يستشعرون للإنسان جملة مركّبة من جَسد وروح فيسمونها النفس ، أي الذات وهي ما يعبّر عنه المتكلّمُ بضمير أنا ، ويستشعرون للإنسان قوّة باطنيّة بها إدراكه ويسمّونها نفساً أيضاً . ومنه أخذ علماء المنطق اسمَ النفس الناطقة . والمعنى يأتي كل أحد يدافع عن ذاته ، أي يدافع بأقواله ليدفع تبعات أعماله . ففاعلُ المجادلة وما هو في قوّة مفعوله شيءٌ واحد . وهذا قريب من وقوع الفاعل والمفعول شيئاً واحداً في أفعال الظنّ والدّعاء ، بكثرة مثل أراني فاعلاً كذا ، وقولهم عَدِمْتُني وَفقَدْتُني ، وبقلّة في غير ذلك مع الأفعال نحو قول امرىء القيس @ قد بتّ أحرُسُني وحْدي ويمنعني صوت السّباع به يضبَحْن والهام @@ { وتُوفّى } تعطَى شيئاً وافياً ، أي كاملاً غير منقوص ، و { ما عملت } مفعول ثانٍ لــــ { توفّى } ، وهو على حذف مضاف تقديره جزاء ما عملت ، أي من ثواب أو عقاب ، وإظهار كل نفس في مقام الإضمار لتكون الجملة مستقلّة فتجري مجرى المَثل . والظّلم الاعتداء على الحقّ . وأطلق هنا على مجاوزة الحدّ المعيّن للجزاء في الشر والإجحاف عنه في الخير ، لأن الله لما عيّن الجزاء على الشرّ ووعد بالجزاء على الخير صار ذلك كالحقّ لكل فريق . والعلمُ بمراتب هذا التحديد مفوّض لله تعالى { ولا يظلم ربّك أحداً } سورة الكهف 49 . وضميرا { وهم لا يظلمون } عائدان إلى كل نفس بحسب المعنى ، لأن { كل نفس } يدلّ على جمع من النفوس . وزيادة هذه الجملة للتصريح بمفهوم { وتوفى كل نفس ما عملت } ، لأن توفية الجزاء على العمل تستلزم كون تلك التوفية عدلاً ، فصرّح بهذا اللازم بطريقة نفي ضدّه وهو نفي الظلم عنهم ، وللتّنبيه على أن العدل من صفات الله تعالى . وحصل مع ذلك تأكيد المعنى الأول .