Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 116-117)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

عاد الخطاب إلى المشركين بقرينة قوله { لما تصف ألسنتكم الكذب } . فالجملة معطوفة على جملة { وضرب الله مثلاً قرية } سورة النحل 112 الآية . وفيه تعريض بتحذير المسلمين لأنهم كانوا قريبي عهد بجاهلية ، فربّما بقيت في نفوس بعضهم كراهية أكل ما كانوا يتعفّفون عن أكله في الجاهلية . وعلّق النهي بقولهم { هذا حلال وهذا حرام } . ولم يعلّق بالأمر بأكل ما عدا ما حُرم لأن المقصود النهي عن جعل الحلال حراماً والحرام حلالاً لا أكل جميع الحلال وترك جميع الحرام حتى في حال الاضطرار ، لأن إمساك المرء عن أكل شيء لكراهيَةٍ أو عَيْف هو عمل قاصر على ذاته . وأما قول { وهذا حرام } فهو يفضي إلى التحجير على غيره ممن يشتهي أن يتناوله . واللام في قوله { لما تصف } هي إحدى اللامين اللّتين يتعدّى بهما فعل القول وهي التي بمعنى عن الداخلة على المتحدّث عنه فهي كاللام في قوله { الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا } سورة آل عمران 168 ، أي قالوا عن إخوانهم . وليست هي لام التقوية الداخلة على المخاطب بالقول . { وتصف } معناه تذكر وصْفاً وحالاً ، كما في قوله تعالى { وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى } سورة النحل 62 . وقد تقدم ذلك في هذه السورة ، أي لا تقولوا ذلك وصفاً كَذباً لأنه تقَوّل لم يقله الذي له التحليل والتحريم وهو اللّهُ تعالى . وانتصب { الكذب } على المفعول المطلق لــــ { تصف } ، أي وصفاً كذباً ، لأنه مخالف للواقع ، لأن الذي له التحليل والتحريم لم ينبئهم بما قالوا ولا نصب لهم دَلِيلاً عليه . وجملة { هذا حلال وهذا حرام } هي مقول { تقولوا } ، واسم الإشارة حكاية بالمعنى لأوصافهم أشياء بالحِلّ وأشياء بالتحّريم . و { لتفتروا } علة لــــ { تقولوا } باعتبار كون الافتراء حاصلاً ، لا باعتبار كونه مقصوداً للقائلين ، فهي لام العاقبة وليست لام العلّة . وقد تقدّم قريباً أن المقصد منها تنزيل الحاصل المحقّق حصولُه بعدَ الفعل منزلةَ الغرض المقصود من الفعل . وافتراء الكذب تقدّم آنفاً . والذين يفترون هم المشركون الذين حرموا أشياء . وجملة { متاع قليل } استئناف بياني في صورة جواب عما يجيش بخاطر سائل يسأل عن عدم فلاحهم مع مشاهدة كثير منهم في حالة من الفلاح ، فأجيب بأن ذلك متاع ، أي نفع موقّت زائل ولهم بعده عذاب أليم . والآية تحذّر المسلمين من أن يتقوّلوا على الله ما لم يقله بنصّ صريح أو بإيجاد معانٍ وأوصاف للأفعال قد جَعل لأمثالها أحكاماً ، فمن أثبت حلالاً وحراماً بدليل من معانٍ ترجع إلى مماثلة أفعال تشتمل على تلك المعاني فقد قال بما نصب الله عليه دليلاً . وقُدم { لهم } للاهتمام زيادة في التحذير . وجيء بلام الاستحقاق للتنبيه على أن العذاب خقّهم لأجل افترائهم .