Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 126-126)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

عَطف على جملة { ادع إلى سبيل ربك بالحكمة } سورة النحل 125 ، أي إن كان المقام مقام الدعوة فلتكن دعوتك إيّاهم كما وصفنا ، وإن كنتم أيها المؤمنون معاقبين لمشركين على ما نالكم من أذاهم فعاقبوهم بالعدل لا بِتجاوُز حدّ ما لقيتم منهم . فهذه الآية متّصلة بما قبلها أتم اتّصال ، وحسبك وجود العاطف فيها . وهذا تدرّج في رتب المعاملة من معاملة الذين يدعون ويوعظون إلى معاملة الذين يجادلون ثم إلى معاملة الذين يجازون على أفعالهم ، وبذلك حصل حسن الترتيب في أسلوب الكلام . وهذا مختار النحاس وابن عطية وفخر الدين ، وبذلك يترجّح كون هذه الآية مكية مع سوابقها ابتداء من الآية الحادية والأربعين ، وهو قول جابر بن زيد ، كما تقدم في أول السورة . واختار ابن عطية أن هذه الآية مكّية . ويجوز أن تكون نزلت في قصة التّمثيل بحَمزة يوم أُحُد ، وهو مرويّ بحديث ضعيف للطبراني . ولعلّه اشتبه على الرّواة تذكر النبي الآيةَ حين توعّد المشركين بأن يمثّل بسبعين منهم إن أظفره الله بهم . والخطاب للمؤمنين ويدخل فيه النبي . والمعاقبة الجزاء على فعل السوء بما يسوء فاعل السوء . فقوله { بمثل ما عوقبتم } مشاكَلَةٌ لِــــ { عاقبتم } . استعمل { عوقبتم } في معنى عوملتم به ، لوقوعه بعد فعل { عاقبتم } ، فهو استعارة وجه شبهها هو المشاكلة . ويجوز أن يكون { عوقبتم } حقيقة لأن ما يلقونه من الأذى من المشركين قصدوا به عقابهم على مفارقة دين قومهم وعلى شتم أصنامهم وتسفيه آبائهم . والأمر في قوله { فعاقبوا } للوجوب باعتبار متعلّقه ، وهو قوله { بمثل ما عوقبتم به } فإن عدم التجاوز في العقوبة واجب . وفي هذه الآية إيماء إلى أن الله يُظهر المسلمين على المشركين ويجعلهم في قبضتهم ، فلعلّ بعض الذين فتنهم المشركون يبعثه الحَنق على الإفراط في العقاب . فهي ناظرة إلى قوله { ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا } سورة النحل 110 . ورغّبهم في الصبر على الأذى ، أي بالإعراض عن أذى المشركين وبالعفو عنه ، لأنه أجلب لقلوب الأعداء ، فوصف بأنه خير ، أي خير من الأخذ بالعقوبة ، كقوله تعالى { ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليّ حميم } سورة فصّلت 34 ، وقوله { وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله } سورة الشورى 40 . وضمير الغائب عائد إلى الصبر المأخوذ من فعل صبرتم ، كما في قوله تعالى { اعدلوا هو أقرب للتقوى } سورة المائدة 8 . وأكّد كون الصبر خيراً بلام القسم زيادة في الحثّ عليه . وعبّر عنهم بالصابرين إظهاراً في مقام الإضمار لزيادة التنويه بصفة الصابرين ، أي الصبر خبر لجنس الصابرين .