Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 36-36)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
عطف على جملة { كذلك فعل الذين من قبلهم } سورة النحل 35 . وهو تكملة لإبطال شبهة المشركين إبطالاً بطريقة التفصيل بعد الإجمال لزيادة تقرير الحجّة ، فقوله تعالى { ولقد بعثنا في كل أمة } بيان لمضمون جملة { فهل على الرسل إلا البلاغ المبين } النحل 35 . وجملة فمنهم من هدى الله إلى آخرها بيان لمضمون جملة { كذلك فعل الذين من قبلهم } . والمعنى أن الله بيّن للأمم على ألسنة الرسل ــــ عليهم السلام ــــ أنّه يأمرهم بعبادته واجتناب عبادة الأصنام فمن كل أمّة أقوام هداهم الله فصدّقوا وآمنوا ، ومنهم أقوام تمكّنت منهم الضلالة فهلكوا . ومن سار في الأرض رأى دلائل استئصالهم . و { أن } تفسيرية لجملة { بعثنا } لأنّ البعث يتضمّن معنى القول ، إذ هو بعث للتبليغ . و { الطاغوت } جنس ما يعبد من دون الله من الأصنام . وقد يذكرونه بصيغة الجمع ، فيقال الطواغيت ، وهي الأصنام . وتقدّم عند قوله تعالى { يؤمنون بالجبت والطاغوت } في سورة النساء 51 . وأسندت هداية بعضهم إلى الله مع أنه أمر جميعهم بالهدى تنبيهاً للمشركين على إزالة شبهتهم في قولهم { لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء } سورة النحل 35 بأن الله بيّن لهم الهُدى ، فاهتداء المهتدين بسبب بيانه ، فهو الهادي لهم . والتّعبير في جانب الضلالة بلفظ حقّت عليهم دون إسناد الإضلال إلى الله إشارة إلى أن الله لما نهاهم عن الضلالة فقد كان تصميمهم عليها إبقاء لضلالتهم السابقة فحقّت عليهم الضلالة ، أي ثبتت ولم ترتفع . وفي ذلك إيماء إلى أن بقاء الضلالة من كسب أنفسهم ولكن ورد في آيات أخرى أن الله يضلّ الضالّين ، كما في قوله { ومن يرد أن يضلّه يجعل صدره ضيقاً حرجاً } سورة الأنعام 125 ، وقوله عقب هذا { فإن الله لا يهدي من يضلّ } سورة النحل 37 على قراءة الجمهور ، ليحصل من مجموع ذلك علم بأن الله كَوّنَ أسباباً عديدة بعضها جاءٍ من توالد العقول والأمزجة واقتباس بعضها من بعض ، وبعضها تابع للدعوات الضالّة بحيث تهيّأت من اجتماع أمور شتّى لا يحصيها إلا الله ، أسباب تامّة تحول بين الضالّ وبين الهدى . فلا جرم كانت تلك الأسباب هي سبب حقّ الضلالة عليهم ، فباعتبار الأسباب المباشرة كان ضلالهم من حالات أنفسهم ، وباعتبار الأسباب العالية المتوالدة كان ضلالهم من لدن خالق تلك الأسباب وخالق نواميسها في متقادم العصور . فافْهَم . ثم فرّع على ذلك الأمَر بالسير في الأرض لينظروا آثار الأمم فيروا منها آثار استئصال مخالف لأحوال الفناء المعتاد ، ولذلك كان الاستدلال بها متوقّفاً على السير في الأرض ، ولو كان المراد مطلق الفناء لأمرهم بمشاهدة المقابر وذكر السّلف الأوائل .