Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 49-50)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لما ذُكر في الآية السابقة السجود القسري ذُكر بعده هنا سجود آخر بعضه اختيار وفي بعضه شبه اختيار . وتقديم المجرور على فعله مؤذن بالحصْر ، أي سجد لله لا لغيره ما في السماوات وما في الأرض ، وهو تعريض بالمشركين إذ يسجدون للأصنام . وأوثرت { ما } الموصولة دون من تغليباً لكثرة غير العقلاء . و { من دابة } بيان لــــ { ما في الأرض } ، إذ الدابة ما يدبّ على الأرض غير الإنسان . ومعنى سجود الدواب لله أن الله جعل في تفكيرها الإلهامي التذاذها بوجودها وبما هي فيه من المرح والأكل والشرب ، وتطلب الدفع عن نفسها من المتغلّب ومن العوارض بالمدافعة أو بالتوقّي ، ونحو ذلك من الملائمات . فحالها بذلك كحال شاكر تتيسر تلك الملائمات لها ، وإنما تيسيرها لها ممن فطرها . وقد تصحب أحوال تنعّمها حركاتٌ تشبه إيماء الشاكر المقارب للسجود ، ولعلّ من حركاتها ما لا يشعر به الناس لخفائه وجهلهم بأوقاته ، وإطلاقُ السجود على هذا مجاز . ويشمل { ما في السمٰوات } مخلوقاتٍ غير الملائكة ، مثل الأرواح ، أو يراد بالسماوات الأجواء فيراد بما فيها الطيُور والفراش . وفي ذكر أشرف المخلوقات وأقلّها تعريض بذمّ من نزل من البشر عن مرتبة الدواب في كفران الخالق ، وبمدح من شابَه من البشر حال الملائكة . وفي جعل الدوابّ والملائكة معمولين لــــ { يسجد } استعمال للفظ في حقيقته ومجازه . ووصف الملائكة بأنهم { لا يستكبرون } تعريض ببعد المشركين عن أوج تلك المرتبة الملكية . والجملة حال من { الملائكة } . وجملة { يخافون ربهم } بيان لجملة { وهم لا يستكبرون } . والفوقية في قوله { من فوقهم } فوقية تصرف ومِلك وشرف كقوله تعالى { وهو القاهر فوق عباده } سورة الأنعام 18 وقوله { وإنا فوقهم قاهرون } سورة الأعراف 127 . وقوله تعالى { ويفعلون ما يؤمرون } ، أي يطيعون ولا تصدر منهم مخالفة . وهنا موضع سجود للقارىء بالاتّفاق . وحكمته هنا إظهار المؤمن أنه من الفريق الممدوح بأنه مشابه للملائكة في السجود لله تعالى .