Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 5-7)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يجوز أن يعطف { الأنعام } عطف المفرد على المفرد عطفاً على { الإنسان } سورة النحل 4 ، أي خلق الإنسان من نطفة والأنعامَ ، وهي أيضاً مخلوقة من نطفة ، فيحصل اعتبار بهذا التكوين العجيب لشبهه بتكوين الإنسان ، وتكون جملة { خلقها } بمتعلقاتها مستأنفة ، فيحصل بذلك الامتنان . ويجوز أن يكون عطف الجملة على الجملة ، فيكون نصب { الأنعام } بفعل مضمر يفسّره المذكور بعده على طريقة الاشتغال . والتقدير وخلق الأنعام خلقها . فيكون الكلام مفيداً للتأكيد لقصد تقوية الحكم اهتماماً بما في الأنعام من الفوائد فيكون امتناناً على المخاطبين ، وتعريضاً بهم ، فإنهم كفروا نعمة الله بخلقها فجعلوا من نتاجها لشركائهم وجعلوا لله نصيباً . وأي كفران أعظم من أن يتقرّب بالمخلوقات إلى غير من خلقها . وليس في الكلام حصر على كلا التقديرين . وجملة { لكم فيها دفء } في موضع الحال من الضمير المنصوب في { خلقها } على كلا التقديرين إلا أن الوجه الأول تمام مقابلة لقوله تعالى { خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين } سورة النحل 4 من حيث حصول الاعتبار ابتداء ثم التعريض بالكفران ثانياً ، بخلاف الوجه الثاني فإن صريحه الامتنان ، ويحصل الاعتبار بطريق الكناية من الاهتمام . والمقصود من الاستدلال هو قوله تعالى { والأنعام خلقها } وما بعده إدماج للامتنان . و { الأنعام } الإبل ، والبقر ، والغنم ، والمعز . وتقدم في سورة الأنعام . وأشهر الأنعام عند العرب الإبل ، ولذلك يغلب أن يطلق لفظ الأنعام عندهم على الإبل . والخطاب صالح لشمول المشركين ، وهم المقصود ابتداء من الاستدلال ، وأن يشمل جميع الناس ولا سيما فيما تضمّنه الكلام من الامتنان . وفيه التفات من طريق الغيبة الذي في قوله تعالى { عما يشركون } سورة النحل 3 باعتبار بعض المخاطبين . والدِّفء بكسر الدال اسم لما يتدفّأ به كالمِلْء و الحِمْل . وهو الثياب المنسوجة من أوبار الأنعام وأصوافها وأشعارها تتّخذ منها الخيام والملابس . فلمّا كانت تلك مادة النسج جعل المنسوج كأنه مظروف في الأنعام . وخص الدفء بالذكر من بين عموم المنافع للعناية به . وعطف { منافع } على { دفء } من عطف العام على الخاص لأن أمر الدفء قلّما تستحضره الخواطر . ثم عطف الأكلُ منها لأنه من ذواتها لا من ثمراتها . وجملة { ولكم فيها جمال } عطف على جملة { لكم فيها دفء } . وجملة { ومنها تأكلون } عطف على جملة { لكم فيها دفء } . وهذا امتنان بنعمة تسخيرها للأكل منها والتغذي ، واسترداد القوة لما يحصل من تغذيتها . وتقديم المجرور في قوله تعالى { ومنها تأكلون } للاهتمام ، لأنهم شديدو الرغبة في أكل اللحوم ، وللرعاية على الفاصلة . والإتيان بالمضارع في { تأكلون } لأن ذلك من الأعمال المتكررة . والإراحة فعل الرواح ، وهو الرجوع إلى المعاطن ، يقال أراح نعمهُ إذا أعادها بعد السروح . والسروح الإسامة ، أي الغدُوّ بها إلى المراعي . يقال سَرَحها ــــ بتخفيف الراء ــــ سَرحاً وسُروحاً ، وسرّحها ــــ بتشديد الراء ــــ تسريحاً . وتقديم الإراحة على التسريح لأن الجمال عند الإراحة أقوى وأبهج ، لأنها تقبل حينئذٍ مَلأى البطون حافلة الضروع مَرحة بمسرّة الشبع ومحبّة الرجوع إلى منازلها من معاطن ومرابض . والإتيان بالمضارع في { تريحون } و { تسرحون } لأن ذلك من الأحوال المتكررة . وفي تكررها تكرر النعمة بمناظرها . وجملة { وتحمل أثقالكم } معطوفة على { ولكم فيها جمال } فهي في موضع الحال أيضاً . والضمير عائد إلى أشهر الأنعام عندهم وهي الإبل ، كقولها في قصّة أم زرع « رَكب شَرياً وأخذَ خطيّاً فأراح علي نعماً ثرياً » ، فإن النعم التي تؤخذ بالرمح هي الإبل لأنها تؤخذ بالغارة . وضمير { وتحمل } عائد إلى بعض الأنعام بالقرينة . واختيار الفعل المضارع بتكرر ذلك الفعل . والأثقال جمع ثَقَل ــــ بفتحتين ــــ وهو ما يثقل على الناس حمله بأنفسهم . والمراد بــــ { بلد } جنس البلد الذي يرتحلون إليه كالشام واليمن بالنسبة إلى أهل الحجاز ، ومنهم أهل مكة في رحلة الصيف والشتاء والرحلة إلى الحجّ . وقد أفاد { وتحمل أثقالكم } معنى تحملكم وتبلغكم ، بطريقة الكناية القريبة من التصريح . ولذلك عقب بقوله تعالى { لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس } . وجملة { لم تكونوا بالغيه } صفة لــــ { بلد } ، وهي مفيدة معنى البعد ، لأن بلوغ المسافر إلى بلد بمشقّة هو من شأن البلد البعيد ، أي لا تبلغونه بدون الأنعام الحاملة أثقالكم . والشِّقّ ــــ بكسر الشين ــــ في قراءة الجمهور المشقة . والباء للملابسة . والمشقة التعب الشّديد . وما بعد أداة الاستثناء مستثنى من أحوال لضمير المخاطبين . وقرأ أبو جعفر { إلا بشق الأنفس } ــــ بفتح الشين ــــ وهو لغة في الشِق المكسور الشين . وقد نفت الجملة أن يكونوا بالغيه إلا بمشقّة ، فأفاد ظاهرها أنهم كانوا يبلغونه بدون الرواحل بمشقّة وليس مقصوداً ، إذ كان الحمل على الأنعام مقارناً للأسفار بالانتقال إلى البلاد البعيدة ، بل المراد لم تكونوا بالغيه لولا الإبل أو بدون الإبل ، فحذف لقرينة السياق . وجملة { إن بكم لرؤوف رحيم } تعليل لجملة { والأنعام خلقها } ، أي خلقها لهذه المنافع لأنه رؤوف رحيم بكم .