Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 62-62)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذا ضغث على إبّالة من أحوالهم في إشراكهم تخالف قصّة قوله تعالى { ويجعلون لله البنات } سورة النحل 57 باعتبار ما يختصّ بهذه القصّة من إضافتهم الأشياء المكروهة عندهم إلى الله مما اقتضته كراهتهم البنات بقوله تعالى { ولهم ما يشتهون } سورة النحل 57 ، فكانَ ذلك الجعل ينطوي على خصلتين من دين الشّرك ، وهما نسبة البنوّة إلى الله ، ونسبة أخسّ أصناف الأبناء في نظرهم إليه ، فخصّت الأولى بالذكر بقوله ويجعلون لله البنات مع الإيماء إلى كراهتهم البنات كما تقدّم . وخصّت هذه بذكر الكراهية تصريحاً ، ولذلك كان الإتيان بالموصول والصلة { ما يكرهون } هو مقتضى المقام الذي هو تفظيع قولهم وتشنيع استئثارهم . وقد يكون الموصول للعموم فيشير إلى أنهم جعلوا لله أشياء يكرهونها لأنفسهم مثل الشريك في التصرّف وأشياء لا يرضونها لآلهتهم ونسبوها لله كما أشار إليه قوله تعالى { فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون } سورة الأنعام 136 . وفي الكشاف « يجعلون لله أرذل أموالهم ولأصنامهم أكرمها » . فهو مراد من عموم الموصول ، فتكون هذه القصة أعمّ من قصّة قوله تعالى { ويجعلون لله البنات } ، ويكون تخصيصها بالذكر من جهتين جهة اختلاف الاعتبار ، وجهة زيادة أنواع هذا الجعل . وجملة { وتصف ألسنتهم الكذب } عطف قصة على قصة أخرى من أحوال كفرهم . ومعنى { تصف } تذكر بشرح وبيان وتفصيل ، حتى كأنها تذكر أوصاف الشيء . وحقيقة الوصف ذكر الصفات والحُلَى . ثم أطلق على القول المبيّن المفصل . قال في « الكشاف » في الآية الآتية في أواخر هذه السورة « هذا من فصيح الكلام وبليغه . جعل القول كأنه عين الكذب فإذا نطقت به ألسنتهم فقد صورت الكذب بصورته ، كقولهم وجهها يصف الجمال ، وعينها تصف السحر » ا هــــ . وقد تقدم في قوله تعالى { سبحانه وتعالى عما يصفون } في سورة الأنعام 100 . وسيأتي في آخر هذه السورة { ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام } سورة النحل 116 . ومنه قول المعرّي @ سرى برق المعرّة بعد وهن فباتَ برامةٍ يصف الكَلاَلا @@ أي يشكو الإعياء من قطع مسافة طويلة في زمن قليل ، وهو من بديع استعاراته . والمراد من هذا الكذب كل ما يقولونه من أقوال خاصتهم ودهمائهم باعتقاد أو تهكّم . فمن الأول قول العاصي بن وائل المحكي في قوله تعالى { وقال لأوتينّ مالاً وولداً } سورة مريم 77 وفي قوله تعالى { ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى } سورة فصلت 50 . ومن الثاني قولهم في البليّة أن صاحبها يركبها يوم القيامة لكيلا يُعيى . وانتصب { الكذب } على أنه مفعول { تصف } . { وأن لهم الحسنى } بدل من { الكذب } أو { الحسنى } صفة لمحذوف ، أي الحالة الحسنى . وجملة { لا جرم أن لهم النار } جواب عن قولهم المحكي . ومعنى لا جرم لا شكّ ، أي حقاً . وتقدم في سورة هود . و { مُفْرِطُونَ } ــــ بكسر الراء المخففة ــــ في قراءة نافع اسم فاعل من أفرط ، إذا بلغ غاية شيء ما ، أي مفرطون في الأخذ من عذاب النار . وقرأه أبو جعفر ــــ بكسر الراء مشددة ــــ من فرّط المضاعف . وقرأه البقية ــــ بفتح الراء مخففة ــــ على زنة اسم المفعول ، أي مجعولون فرطاً ــــ بفتحتين ــــ وهو المقدم إلى الماء ليسقي . والمراد أنهم سابقون إلى النار معجّلون إليها لأنهم أشدّ أهل النار استحقاقاً لها ، وعلى هذا الوجه يكون إطلاق الإفراط على هذا المعنى استعارة تهكّمية كقول عمرو بن كلثوم @ فَعَجّلْنَا القِرى أن تشتمونا @@ أراد فبادرنا بقتالكم حين نزلتم بنا مغيرين علينا . وفيها مع ذكر النار في مقابلتها مُحسن الطباق . على أن قراءة نافع تحتمل التفسير بهذا أيضاً لِجواز أن يقال أفرط إلى الماء إذا تقدّم له .