Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 67-67)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
عطف على جملة { وإن لكم في الأنعام لعبرة } سورة النحل 66 . ووجود { من } في صدر الكلام يدلّ على تقدير فعل يدلّ عليه الفعل الذي في الجملة قبلها وهو { نسقيكم } النحل 66 . فالتقدير ونسقيكم من ثمرات النخيل والأعناب . وليس متعلقاً بــــ { تتخذون } ، كما دلّ على ذلك وجود من الثانية في قوله { تتخذون منه سكراً } المانع من اعتبار تعلّق { من ثمرات النخيل } بــــ { تتخذون } ، فإن نظم الكلام يدل على قصد المتكلم ولا يصحّ جعله متعلقاً بــــ { تتخذون } مقدماً عليه ، لأنه يبعد المعنى عن الامتنان بلطف الله تعالى إذ جعل نفسه الساقي للناس . وهذا عطف منّة على منّة ، لأن { نسقيكم } وقع بياناً لجملة { وإن لكم في الأنعام لعبرة } . ومفاد فعل { نسقيكم } مفاد الامتنان لأن السقي مزية . وكلتا العِبرتين في السقي . والمناسبةُ أن كلتيهما ماء وأن كلتيهما يضغط باليد ، وقد أطلق العرب الحَلْب على عصير الخمر والنبيذ ، قال حسّان يذكر الخمر الممزوجة والخالصة @ كلتاهما حَلَب العصير فعاطني بِزُجاجة أرخاهما للمفصل @@ ويشير إلى كونهما عبرتين من نوع متقارب جَعْل التذييل بقوله تعالى { إن في ذلك لآية } عقب ذكر السقيين دون أن يُذيّل سقي الألبان بكونه آية ، فالعبرة في خلق تلك الثمار صالحة للعصر والاختمار ، ومشتملة على منافع للناس ولذّات . وقد دلّ على ذلك قوله تعالى { إن في ذلك لآية لقوم يعقلون } . فهذا مرتبط بما تقدم من العبرة بخلق النبات والثمرات من قوله تعالى { ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل } سورة النحل 11 الآية . وجملة { تتخذون منه سكراً } الخ في موضع الحال . ومن في الموضعين ابتدائية ، فالأولى متعلّقة بفعل { نسقيكم } المقدر ، والثانية متعلقة بفعل { تتخذون } . وليست الثانية تبعيضية ، لأن السكر ليس بعض الثمرات ، فمعنى الابتداء ينتظم كلا الحرفين . والسكر ــــ بفتحتين ــــ الشراب المُسْكِر . وهذا امتنان بما فيه لذّتهم المرغوبة لديهم والمتفشّية فيهم وذلك قبل تحريم الخمر لأن هذه الآية مكّية وتحريم الخمر نزل بالمدينة فالامتنان حينئذٍ بمباح . والرزق الطعام ، ووصف بــــ { حسناً } لما فيه من المنافع ، وذلك التمر والعنب لأنهما حلوان لذيذان يؤكلان رطبين ويابسين قابلان للادخار ، ومن أحوال عصير العنب أن يصير خلاً ورُبّاً . وجملة { إن في ذلك لآية لقوم يعقلون } تكرير لتعداد الآية لأنها آية مستقلة . والقول في جملة { إن في ذلك لآية لقوم يعقلون } مثل قوله آنفاً { إن في ذلك لآية لقوم يسمعون } سورة النحل 65 . والإشارة إلى جميع ما ذكر من نعمة سقي الألبان وسقي السكر وطعم الثمر . واختير وصف العقل هنا لأن دلالة تكوين ألبان الأنعام على حكمة الله تعالى يحتاج إلى تدبّر فيما وصفته الآية هنا ، وليس هو ببديهي كدلالة المطر كما تقدم .