Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 72-72)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
عطف على التي قبلها ، وهو استدلال ببديع الصنع في خلق النسل إذ جعل مقارناً للتأنّس بين الزوجين ، إذ جعل النسل منهما ولم يجعله مفارقاً لأحد الأبوين أو كليهما . وجعل النسل معروفاً متصلاً بأصوله بما ألهمه الإنسان من داعية حفظ النسب ، فهي من الآيات على انفراده تعالى بالوحدانية كما قال تعالى في سورة الروم 21 { ومن ءاياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودّة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون } فجعلها آية تنطوي على آيات ، ويتضمّن ذلك الصنع نعماً كثيرة ، كما أشار إليه قوله تعالى { وبنعمت الله هم يكفرون } . والقول في جملة { والله جعل لكم } كالقول في نظيرتيها المتقدمتين . واللام في { جعل لكم } لتعدية فعل { جعل } إلى ثانٍ . ومعنى { من أنفسكم } من نوعكم ، كقوله تعالى { فإذا دخلتم بيوتاً فسَلّموا على أنفسكم } سورة النور 61 أي على الناس الذين بالبيوت ، وقوله { رسولا من أنفسهم } سورة آل عمران 164 وقوله { ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم } سورة البقرة 85 . والخطاب بضمير الجماعة المخاطبين موجّه إلى الناس كلّهم ، وغلب ضمير التذكير . وهذه نعمة إذ جعل قرين الإنسان متكوّناً من نوعه ، ولو لم يجعل له ذلك لاضطُرّ الإنسان إلى طلب التأنّس بنوع آخر فلم يحصل التأنّس بذلك للزوجين . وهذه الحالة وإن كانت موجودة في أغلب أنواع الحيوان فهي نعمة يدركها الإنسان ولا يدركها غيره من الأنواع . وليس من قوام ماهيّة النّعمة أن ينفرد بها المنعم عليه . والأزواج جمع زوج ، وهو الشيء الذي يصير مع شيء آخر اثنين ، فلذا وصف بزوج المرادف لثان . وقد مضى الكلام عليه في قوله تعالى { اسكن أنت وزوجك الجنة } في سورة البقرة 35 . والوصف بالزوج يؤذن بملازمته لآخر ، فلذا سمّي بالزوج قرين المرأة وقرينةُ الرجل . وهذه نعمة اختصّ بها الإنسان إذ ألهمه الله جعل قرين له وجبله على نظام محبّة وغيرة لا يسمَحان له بإهمال زوجه كما تُهمل العجماوات إناثها وتنصرف إناثها عن ذكورها . و { من } الداخلة على { أنفسكم } للتّبعيض . وجعل البنين للإنسان نعمة ، وجعل كونهم من زوجة نعمة أخرى ، لأن بها تحقّق كونهم أبناءه بالنسبة للذكر ودوام اتّصالهم به بالنّسبة ، ووجود المشارك له في القيام بتدبير أمرهم في حالة ضعفهم . و { من } الداخلة على { أزواجكم } للابتداء ، أي جعل لكم بنين منحدرين من أزواجكم . والحفدة جمع حافد ، مثل كَملة جمع كامل . والحافد أصله المسرع في الخدمة . وأطلق على ابن الابن لأنه يكثر أن يخدم جدّه لضعف الجدّ بسبب الكبر ، فأنعم الله على الإنسان بحفظ سلسلة نسبه بسبب ضبط الحلقة الأولى منها ، وهي كون أبنائه من زوجه ثم كون أبناء أبنائه من أزواجهم ، فانضبطت سلسلة الأنساب بهذا النظام المحكم البديع . وغير الإنسان من الحيوان لا يشعر بحفدته أصلاً ولا يَشعر بالبنوّة إلا أنثى الحيوان مدة قليلة قريبَة من الإرضاع . والحفدة للإنسان زيادة في مسرّة العائلة ، قال تعالى { فبشرّناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب } سورة هود 71 . وقد عملت { من } الابتدائية في { حفدة } بواسطة حرف العطف لأن الابتداء يكون مباشرة وبواسطة . وجملة { ورزقكم من الطيبات } معطوفة على جملة { جعل لكم من أنفسكم أزواجاً } وما بعدها ، لمناسبة ما في الجمل المعطوف عليها من تضمّن المنّة بنعمة أفراد العائلة ، فإن من مكمّلاتها سعة الرزق ، كما قال تعالى في آل عمران { زيّن للناس حبّ الشّهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة } سورة آل عمران 14 الآية . وقال طرفة @ فأصبحت ذا مال كثير وطاف بي بنون كرام سادة لمسود @@ فالمال والعائلة لا يروق أحدها بدون الآخر . ثم الرزق يجوز أن يكون مراداً منه المال كما في قوله تعالى في قصة قارون { وأصبح الذين تمنّوا مكانه بالأمس يقولون ويكأنّ الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر } سورة القصص 82 . وهذا هو الظاهر وهو الموافق لما في الآية المذكورة آنفاً . ويجوز أن يكون المراد منه إعطاء المأكولات الطيّبة ، كما في قوله تعالى { وجد عندها رزقاً } سورة آل عمران37 و { من } تبعيضية . و { الطيبات } صفة لموصوف محذوف دلّ عليه فعل رزقكم ، أي الأرزاق الطيّبات . والتأنيث لأجل الجمع . والطيّب فَيْعِلٍ صفة مبالغة في الوصف بالطّيِب . والطِيبُ أصله النزاهة وحسن الرائحة ، ثم استعمل في الملائم الخالص من النّكد ، قال تعالى { فلنحيينه حياة طيبة } سورة النحل 97 . واستعمل في الصالح من نوعه كقوله تعالى { والبلد الطيّب يخرج نباته بإذن ربه } في سورة الأعراف 58 . ومنه قوله تعالى { الذين تتوفّاهم الملائكة طيّبين } سورة النحل 32 وقد تقدم آنفاً . فالطيّبات هنا الأرزاق الواسعة المحبوبة للناس كما ذكر في الآية في سورة آل عمران أو المطعومات والمشروبات اللذيذة الصالحة . وقد تقدم ذكر الطيّبات عند قوله تعالى { اليوم أحل لكم الطيّبات } في سورة العقود 5 ، وذكر الطيّب في قوله تعالى { كلوا مما في الأرض حلالاً طيّباً } في سورة البقرة 168 . وفرع على هذه الحجّة والمنّة استفهامُ توبيخ على إيمانهم بالباطل البيّن ، فتفريع التوبيخ عليه واضح الاتجاه . والباطل ضد الحقّ لأن ما لا يخلق لا يُعبد بحقّ . وتقديم المجرور في قوله تعالى { أفبالباطل } على متعلّقه للاهتمام بالتعريف بباطلهم . والالتفات عن الخطاب السابق إلى الغيبة في قوله تعالى { أفبالباطل } يجري الكلام فيه على نحو ما تقدم في قوله تعالى { أفبنعمة الله يجحدون } سورة النحل 71 . وقوله تعالى { وبنعمت الله هم يكفرون } عطف على جملة التوبيخ ، وهو توبيخ متوجّه على ما تضمّنه قوله تعالى { والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً } إلى قوله { ورزقكم من الطيبات } من الامتنان بذلك الخلق والرزق بعد كونهما دليلاً على انفراد الله بالإلهية . وتقديم المجرور في قوله تعالى { بنعمت الله هم يكفرون } على عامله للاهتمام . وضمير الغيبة في قوله تعالى { هم يكفرون } ضمير فصل لتأكيد الحكم بكفرانهم النّعمة لأن كفران النّعمة أخفى من الإيمان بالباطل ، لأن الكفران يتعلّق بحالات القلب ، فاجتمع في هذه الجملة تأكيدان التأكيد الذي أفاده التقديم ، والتأكيد الذي أفاده ضمير الفصل . والإتيان بالمضارع في { يؤمنون } و { يكفرون } للدّلالة على التجدّد والتّكرير . وفي الجمع بين { يؤمنون } و { يكفرون } محسنّ بديع الطباق .