Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 84-84)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الواو عاطفة جملة { يوم نبعث } الخ على جملة { فإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين } سورة النحل 82 بتقدير واذكر يوم نبعث من كل أمّة شهيداً . فالتذكير بذلك اليوم من البلاغ المبين . والمعنى فإن تولّوا فإنما عليك البلاغ المبين ، وسنجازي يوم نبعث من كل أمّة شهيداً عليها . ذلك أن وصف شهيد يقتضي أنه شاهد على المؤمنين به وعلى الكافرين ، أي شهيد لأنه بلّغهم رسالة الله . وبعْثُ شهيدٍ من كل أمّة يفيد أن محمداً شهيد على هؤلاء الكافرين كما سيجيء عقبه قوله تعالى { وجئنا بك على هؤلاء شهيداً } سورة النساء 41 ، وبذلك انتظم أمر العطف والتخلّص إلى وصف يوم الحساب وإلى التّنويه بشأنه . وانتصب { يوم نبعث } على المفعول به للفعل المقدّر . ولك أن تجعل { يوم } منصوباً على الظرفية لعامل محذوف يدلّ عليه الكلام المذكور يقدرّ بما يسمح به المعنى ، مثل نحاسبهم حساباً لا يستعتبون منه ، أو وقعوا فيما وقعوا من الخطب العظيم . والذي دعا إلى هذا الحذف هو أن ما حقّه أن يكون عاملاً في الظرف وهو { لا يؤذن للذين كفروا } قد حوّل إلى جعله معطوفاً على جملة الظرف بحرف { ثمّ } الدال على التراخي الرتبي ، إذ الأصْل ويوم نبعث من كل أمّة شهيداً لا يؤذن للذين كفروا … إلى آخره ، فبقي الظرف بدون متعلّق فلم يكن للسامع بُدّ من تقديره بما تذهب إليه نفسه . وذلك يفيد التهويل والتفظيع وهو من بديع الإيجاز . والشّهيد الشّاهد . وقد تقدم نظيره عند قوله تعالى { فكيف إذا جئنا من كل أمّة بشهيد } في سورة النساء 41 . والبعث إحضاره في الموقف . و { ثم } للترتيب الرتبي ، لأن إلجامهم عن الكلام مع تعذّر الاستعتاب أشدّ هولاً من الإتيان بالشهيد عليهم . وليست { ثم } للتراخي في الزمن ، لأن عدم الإذن لهم مقارن لبعث الشّهيد عليهم . والمعنى لا يؤذن لهم بالمجادلة عن أنفسهم ، فحذف متعلق { يؤذن } لظهوره من قوله تعالى { ولا هم يستعتبون } . ويجوز أن يكون نفي الإذن كناية عن الطّرد كما كان الإذن كناية عن الإكرام ، كما في حديث جرير بن عبد الله « ما استأذنتُ رسول الله منذ أسلمت إلا أذن لي » . وحينئذٍ لا يقدّر له متعلّق أو لا يؤذن لهم في الخروج من جهنّم حين يسألونه بقولهم { ادعوا ربّكم يخفّف عنّا يوماً من العذاب } سورة غافر 49 فهو كقوله تعالى { فاليوم لا يخرجون منها ولا هم يستعتبون } سورة الجاثية 35 . والاستعتاب أصله طلب العُتبى ، والعتبى الرضى بعد الغضب ، يقال استعتب فلان فلاناً فأعتبه ، إذا أرضاه ، قال تعالى { وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين } سورة فصلت 24 . وإذا بُني للمجهول فالأصل أن يكون نائب فاعله هو المطلوبَ منه الرضى ، تقول استُعتِب فلانٌ فلم يُعْتب . وأما ما وقع في القرآن منه مبنيّاً للمجهول فقد وقع نائب فاعله ضمير المستعتبين كما في هذه الآية ، وكما في قوله تعالى في سورة الروم 57 { فيومئذٍ لا تنفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون } وفي سورة الجاثية 35 { فاليوم لا يخرجون منها ولا هم يستعتبون } ففسّره الراغب فقال الاستعتاب أن يُطلب من الإنسان أن يَطلب العُتبى ا ه . وعليه فيقال استُعتِبَ فلم يَسْتَعْتِب ، ويقال على الأصل استُعتب فلان فلم يُعْتب . وهذا استعمال نشأ عن الحذف . وأصله استعتب له ، أي طلب منه أن يستعتب ، فكثر في الاستعمال حتى قلّ استعمال استُعتِب مبنيّاً للمجهول في غير هذا المعنى . وعطف { ولا هم يستعتبون } على { لا يؤذن للذين كفروا } وإن كان أخصّ منه ، فهو عطف خاص على عام ، للاهتمام بخصوصه للدّلالة على أنهم مأيوس من الرضى عنهم عند سائر أهل الموقف بحيث يعلمون أن لا طائل في استعتابهم ، فلذلك لا يشير أحد عليهم بأن يستعتبوا . فإن جعلتَ { لا يؤذن } كناية عن الطّرد فالمعنى أنهم يطردون ولا يجدون من يشير عليهم بأن يستعتبوا .