Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 95-96)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الثمن القليل هو ما يعدهم به المشركون إن رجعوا عن الإسلام من مال وهناء عيش . وهذا نهي عن نقض عهد الإسلام لأجل ما فاتهم بدخولهم في الإسلام من منافع عند قوم الشّرك ، وبهذا الاعتبار عطفت هذه الجملة على جملة { ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها } سورة النحل 91 وعلى جملة { وَلاَ تَتَّخِذُوۤاْ أَيْمَـٰنَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ } سورة النحل 94 لأن كل جملة منها تلتفت إلى غرض خاص مما قد يبعث على النّقض . والثّمن العوض الذي يأخذه المعاوض . وتقدّم الكلام على نظير هذا عند قوله تعالى { ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلاً وإيّاي فاتّقون } في سورة البقرة 41 . وذكرنا هناك أن { قليلاً } صفة كاشفة وليست مقيدة ، أي أن كل عوض يؤخذ عن نقض عهد الله هو عوض قليل ولو كان أعظم المكتسبات . وجملة { إنما عند الله هو خير لكم } تعليل للنّهي باعتبار وصف عوض الاشتراء المنهي عنه بالقلّة ، فإن ما عند الله هو خير من كل ثمن وإن عظم قدره . و « ما عند الله » هو ما ادّخره للمسلمين من خير في الدنيا وفي الآخرة ، كما سننبّه عليه عند قوله تعالى { من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن } سورة النحل 97 الآية فخير الدنيا الموعود به أفضل مما يبذله لهم المشركون ، وخير الآخرة أعظم من الكلّ ، فالعندية هنا بمعنى الادِّخار لهم ، كما تقول لك عندي كذا ، وليست عندية ملك الله تعالى كما في قوله { وعنده مفاتح الغيب } سورة الأنعام 59 وقوله { وإن من شيء إلا عندنا خزائنه } سورة الحجر 21 وقوله { وما عند الله باق } . و { إنما } هذه مركّبة من إن و مَا الموصولة ، فحقّها أن تكتب مفصولة ما عن إنّ لأنها ليست ما الكافّة ، ولكنها كتبت في المصحف موصولة اعتباراً لحالة النّطق ولم يكن وصل أمثالها مطّرداً في جميع المواضع من المصحف . ومعنى { إن كنتم تعلمون } إن كنتم تعلمون حقيقة عواقب الأشياء ولا يغرّكم العاجل . وفيه حثّ لهم على التأمّل والعلم . وجملة { ما عندكم ينفد وما عند الله باق } تذييل وتعليل لمضمون جملة { إنما عند الله هو خير لكم } بأن ما عند الله لهم خير متجدّد لا نفاد له ، وأن ما يعطيهم المشركون محدود نافد لأن خزائن الناس صائرة إلى النفاد بالإعطاء وخزائن الله باقية . والنفاد الانقراض . والبقاء عدم الفناء . أي ما عند الله لا يفنى فالأجدر الاعتماد على عطاء الله الموعود على الإسلام دون الاعتماد على عطاء الناس الذين ينفَد رزقهم ولو كَثُر . وهذا الكلام جرى مجرى التذييل لما قبله ، وأرسل إرسال المثل فيحمل على أعمّ ، ولذلك كان ضمير { عندكم } عائداً إلى جميع الناس بقرينة التذييل والمثل ، وبقرينة المقابلة بما عند لله ، أي ما عندكم أيها الناس ما عند الموعود وما عند الواعد ، لأن المنهيّين عن نقض العهد ليس بيدهم شيء . ولما كان في نهيهم عن أخذ ما يعدهم به المشركون حَمْلٌ لهم على حرمانِ أنفسهم من ذلك النّفع العاجل وُعِدو الجزاء على صبرهم بقوله تعالى { وليجزينّ الذين صبروا أجرهم } . قرأه الجمهور { وليجزين } بياء الغيبة . والضمير عائد إلى اسم الجلالة من قوله تعالى { بعهد الله } وما بعده ، فهو النّاهي والواعد فلا جرم كان هو المجازي على امتثال أمره ونهيه . وقرأه ابن كثير وعاصم وابن ذكوان عن ابن عمر في إحدى روايتين عنه وأبو جعفرَ بنون العظمة فهو التفات . و { أجرهم } منصوب على المفعولية الثانية لــــ « يَجزين » بتضمينه معنى الإعطاء المتعدّي إلى مفعولين . والباء للسببية . و « أحسن » صيغة تفضيل مستعملة للمبالغة في الحسن . كما في قوله تعالى { قال ربّ السجن أحبّ إليّ مما يدعونني إليه } سورة يوسف 33 ، أي بسبب عملهم البالغ في الحسن وهو عمل الدوام على الإسلام مع تجرّع ألم الفتنة من المشركين . وقد أكد الوعد بلام القسم ونون التوكيد .