Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 4-5)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
عطف على جملة { وآتينا موسى الكتاب } الإسراء 2 ، أي آتينا موسى الكتاب هُدى ، وبينا لبني إسرائيل في الكتاب ما يحل بهم من جراء مخالفة هدي التوراة إعلاماً لهذه الأمة بأن الله لم يدخر أولئك إرشاداً ونصحاً ، فالمناسبة ظاهرة . والقضاء بمعنى الحكم وهو التقدير ، ومعنى كونه في الكتاب أن القضاء ذكر في الكتاب ، وتعدية قضينا بحرف إلى لتضمين قضينا معنى أبلغنا ، أي قضينا وأنهينا ، كقوله تعالى { وقضينا إليه ذلك الأمر } في سورة الحجر 66 . فيجوز أن يكون المراد ب الكتاب كتاب التوراة والتعريف للعهد لأنه ذكر الكتاب آنفاً ، ويوجد في مواضع ، منها ما هو قريب مما في هذه الآية لكن بإجمال انظر الإصحاح 26 والإصحاح 28 والإصحاح 30 ، فيكون العدول عن الإضمار إلى إظهار لفظ الكتاب لمجرد الاهتمام . ويجوز أن يكون الكتاب بعض كتبهم الدينية . فتعريف الكتاب تعريف الجنس وليس تعريف العهد الذكري ، إذ ليس هو الكتابَ المذكور آنفاً في قوله { وآتينا موسى الكتاب } الإسراء 2 لأنه لما أظهر اسم الكتاب أشعر بأنه كتاب آخر من كتبهم ، وهو الأسفار المسماة بكتب الأنبياء أشعياء ، وأرميا ، وحزقيال ، ودانيال ، وهي في الدرجة الثانية من التوراة . وكذلك كتاب النبي مَلاَخي . والإفساد مرتين ذكر في كتاب أشعياء وكتاب أرمياء . ففي كتاب أشعياء نذارات في الإصحاح الخامس والعاشر . وأولى المرتين مذكورة في كتاب أرمياء في الإصحاح الثاني والإصحاح الحادي والعشرين وغيرهما . وليس المراد بلفظ الكتاب كتاباً واحداً فإن المفرد المعرف ــــ بلام الجنس ــــ يراد به المتعدد . وعن ابن عباس الكتاب أكثر من الكتب . ويجوز أن يراد بالكتاب التوراة وكتب الأنبياء ولذلك أيضاً وقع بالإظهار دون الإضمار . وجملة { لتفسدن في الأرض مرتين } ــــ إلى قوله ــــ { حصيرا } مبيّنة لجملة { وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب } . وأيّا مّا كان فضمائر الخطاب في هذه الجملة مانعة من أن يكون المراد بالكتاب في قوله تعالى { وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب } اللوح المحفوظ أو كتاب الله ، أي علمه . وهذه الآية تشير إلى حوادث عظيمة بين بني إسرائيل وأعدائهم من أمتين عظيمتين حوادث بينهم وبين البابليين ، وحوادث بينهم وبين الرومانيين . فانقسمت بهذا الاعتبار إلى نوعين نوع منهما تنْدَرج فيه حوادثهم مع البابليين ، والنوع الآخر حوادثهم مع الرومانيين ، فعبر عن النوعين بمرتين لأن كل مرة منهما تحتوي على عدة ملاحم . فالمرة الأولى هي مجموع حوادث متسلسلة تسمى في التاريخ بالأسر البابلي وهي غزوات بختنصر مَلِك بابل وأشور بلاَد أورشليم . والغزو الأول كان سنة 606 قبل المسيح ، أسَر جماعات كثيرة من اليهود ويسمى الأسر الأول . ثم غزاهم أيضاً غزواً يسمى الأسر الثاني ، وهو أعظم من الأول ، كان سنة 598 قبل المسيح ، وأسَرَ ملكَ يهوذا وجمعاً غفيراً من الإسرائيليين وأخذ الذهب الذي في هيكل سليمان وما فيه من الآنية النفيسة . والأسر الثالث المُبير سنة 588 قبل المسيح غزاهم « بختنصر » وسبى كل شعب يهوذا ، وأحرق هيكل سليمان ، وبقيت أورشليم خراباً يباباً . ثم أعادوا تعميرها كما سيأتي عند قوله تعالى { ثم رددنا لكم الكرة } الإسراء 6 . وأما المرة الثانية فهي سلسلة غزوات الرومانيين بلادَ أورشليم . وسيأتي بيانها عند قوله تعالى { فإذا جاء وعد الآخرة } الإسراء 6 الآية . وإسناد الإفساد إلى ضمير بني إسرائيل مفيد أنه إفساد من جمهورهم بحيث تعد الأمة كلُّها مُفسدة وإن كانت لا تخلو من صالحين . والعلو في قوله { ولتعلن علوا كبيراً } مجاز في الطغيان والعصيان كقوله { إن فرعون علا في الأرض } القصص 4 وقوله { إنه كان عالياً من المسرفين } الدخان 31 وقوله { ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين } النمل 31 تشبيهاً للتكبر والطغيان بالعلو على الشيء لامتلاكه تشبيه معقول بمحسوس . وأصل { ولتعلن } لتعْلُوْونَنّ . وأصل { لتفسدن } لتفسدونن . والوعد مصدر بمعنى المفعول ، أي موعود أولى المرتين ، أي الزمان المقدر لحصول المرة الأولى من الإفساد والعلو ، كقوله { فإذا جاء وعد ربي جعله دكاً } الكهف 98 . ومثل ذلك قوله { وكان وعداً مفعولا } أي معمولاً ومنفذاً . وإضافة { وعد } إلى { أولاهما } بيانية ، أي الموعود الذي هو أولى المرتين من الإفساد والعلو . والبعث مستعمل في تكوين السير إلى أرض إسرائيل وتهيئة أسبابه حتى كأن ذلك أمر بالمسير إليهم كما مر في قوله { ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب } في سورة الأعراف 167 ، وهو بعث تكوين وتسخير لا بعث بوحي وأمر . وتعدية { بعثنا } بحرف الاستعلاء لتضمينه معنى التسليط كقوله { ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب } الأعراف 167 . والعِباد المملوكون ، وهؤلاء عباد مخلوقية ، وأكثر ما يقال عباد الله . ويقال عَبيد ، بدون إضافة ، نحو { وما ربك بظلام للعبيد } فصلت 46 ، فإذا قصد المملوكون بالرق قيل عَبيد ، لا غير . والمقصود بعباد الله هنا الأشوريون أهل بابل وهم جنود بختنصر . والبأس الشوكة والشدة في الحرب . ووصفه بالشديد لقوته في نوعه كما في آية سورة سليمان النمل 33 { قالوا نحن أولوا قوة وأولوا بأس شديد } وجملة { فجاسوا } عطف على { بعثنا } فهو من المقضي في الكتاب . والجوس التخلل في البلاد وطرقها ذهاباً وإياباً لتتبع ما فيها . وأريد به هنا تتبّع المقاتلة فهو جوس مضرة وإساءة بقرينة السياق . و خلال اسم جاء على وزن الجموع ولا مفرد له ، وهو وسط الشيء الذي يتخلل منه . قال تعالى { فترى الودق يخرج من خلاله } الروم 48 . والتعريف { في الديار } تعريف العهد ، أي دياركم ، وذلك أصل جعل ال عوضاً عن المضاف إليه . وهي ديار بلد أورشليم فقد دخلها جيش بختنصر وقتل الرجال وسبى ، وهدم الديار ، وأحرق المدينة وهيكل سليمان بالنار . ولفظ الديار يشمل هيكل سليمان لأنه بيت عبادتهم ، وأسر كل بني إسرائيل وبذلك خلت بلاد اليهود منهم . ويدل لذلك قوله في الآية الآتية { وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة } .