Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 60-60)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِٱلنَّاسِ } هذه تسلية للنبيء صلى الله عليه وسلم على حزنه من تكذيب قومه إياه ، ومن إمهال عتاة أعداء الدين الذين فتنوا المؤمنين ، فذكره الله بوعده نصرَه . وقد أومأ جَعْلُ المسند إليه لفظ الرب مضافاً إلى ضمير الرسول أن هذا القول مسوق مساق التكرمة للنبيء وتصبيره ، وأنه بمحل عناية الله به إذ هو ربه وهو ناصره قال تعالى { واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا } الطور 48 . فجملة { وإذ قلنا لك } الخ يجوز أن تكون معطوفة على جملة { وما منعنا أن نرسل بالآيات } الإسراء 59 ويجوز أن تكون معترضة . و إذ متعلقة بفعل محذوف ، أي اذكُرْ إذ قلنا لك كلاماً هو وعد بالصبر ، أي اذكر لهم ذلك وأعدهُ على أسماعهم ، أو هو فعل { اذكر } على أنه مشتق من الذُّكر ــــ بضم الذال ــــ وهو إعادة الخبر إلى القوة العقلية الذاكرة . والإحاطة لما عدي فعلها هنا إلى ذاتِ الناس لا إلى حال من أحوالهم تعين أنها مستعملة في معنى الغلبة ، كما في قوله تعالى { وظنوا أنهم أحيط بهم } في سورة يونس 22 . وعُبِّرَ بصيغة المضي للتنبيه على تحقيق وقوع إحاطة الله بالناس في المستقبل القريب . ولعل هذا إشارة إلى قوله تعالى { أو لم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها } الرعد 41 . والمعنى فلا تحزن لافترائهم وتطاولهم فسننتقم منهم . { وَمَا جَعَلْنَا ٱلرُّؤيَا ٱلَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ } عطف على جملة { وما منعنا أن نرسل بالآيات } الإسراء 59 وما بينهما معترضات . والرؤيا أشهر استعمالها في رؤيا النوم ، وتستعمل في رؤية العين كما نقل عن ابن عباس في هذه الآية ، قال هي رؤيا عَيْن أريها النبي ليلة أسري به إلى بيت المقدس ، رواه الترمذي وقال إنه قول عائشة ومعاوية وسبعة من التابعين ، سماهم الترمذي . وتأولها جماعة أنها ما رآه ليلة أسري به إذ رأى بيت المقدس وجعل يصفه للمشركين ، ورأى عِيرَهم واردة في مكان معين من الطريق ووصف لهم حال رجال فيها فكان كما وصف . ويؤيد هذا الوجه قوله { التي أريناك } فإنه وصف للرؤيا ليُعلم أنها رؤية عين . وقيل رأى أنه يدخل مكة في سنة الحديبية فرده المشركون فلم يدخلها فافتتن بعض من أسلموا فلما كان العام المقبل دخلها . وقيل هي رؤيا مصارع صناديد قريش في بَدر أريها النبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك أي بمكة . وعى هذين القولين فهي رؤيا نوم ورؤيا الأنبياء وحي . والفتنة اضطراب الرأي واختلال نظام العيش ، وتطلق على العذاب المكرر الذي لا يطاق ، قال تعالى { إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات } البروج 10 ، وقال { يوم هم على النار يفتنون } الذاريات 13 . فيكون المعنى على أول القولين في الرؤيا أنها سبب فتنة المشركين بازدياد بعدهم عن الإيمان ، ويكون على القول الثاني أن المرئي وهو عذابهم بالسيف فتنة لهم . { وَٱلشَّجَرَةَ ٱلْمَلْعُونَةَ فِي ٱلقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً } { والشجرة } عطف على الرؤيا ، أي ما جعلنا ذكر الشجرة الملعونة في القرآن إلا فتنة للناس . وهذا إشارة إلى قوله تعالى { إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم طلعها كأنه رؤوس الشياطين فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون } في سورة الصافات 64 ، 66 ، وقوله { إن شجرة الزقوم طعام الأثيم } الآية في سورة الدخان 43 ، 44 ، وقوله { إنكم أيها الضالون المكذبون لآكلون من شجر من زقوم } في سورة الواقعة 51 ، 52 . روي أن أبا جهل قال زعم صاحبكم أن نار جهنم تحرق الحجر ثم يقول بأن في النار شجرة لا تحرقها النار . وجهلوا أن الله يخلق في النار شجرة لا تأكلها النار . وهذا مروي عن ابن عباس وأصحابه في أسباب النزول للواحدي و « تفسير الطبري » . وروي أن ابن الزبعرى قال الزقوم التمر بالزبد بلغة اليمن ، وأن أبا جهل أمر جارية فأحضرت تمراً وزبداً وقال لأصحابه تمزقوا . فعلى هذا التأويل فالمعنى أن شجرة الزقوم سبب فتنة مكفرهم وانصرافهم عن الإيمان . ويتعين أن يكون معنى جعل شجرة الزّقوم فتنة على هذا الوجه أن ذكرها كان سببَ فتنة بحذف مضاف وهو ذكر بقرينة قوله " الملعونة في القرآن " لأن ما وصفت به في آيات القرآن لعْن لها . ويجوز أن يكون المعنى أن إيجادها فتنة . أي عذاب مكرر ، كما قال { إنا جعلناها فتنة للظالمين } الصافّات 63 . والملعونة أي المذمومة في القرآن في قوله { طعام الأثيم } الدخان 44 وقوله { طلعها كأنه رؤوس الشياطين } الصافات 65 وقوله { كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم } الدخان 45 - 46 . وقيل معنى الملعونة أنها موضوعة في مكان اللعنة وهي الإبعاد من الرحمة ، لأنها مخلوقة في موضع العذاب . وفي الكشاف قيل تقول العرب لكل طعام ضار ملعون . عطف على جملة { وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون } الإسراء 59 الدال على أنهم متصلبون في كفرهم مكابرون معاندون . وهذه زيادة في تسلية النبي حتى لا يأسف من أن الله لم يرهم آيات ، لأن النبي حريص على إيمانهم ، كما قال موسى عليه السلام { فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم } يونس 88 . ويوجد في بعض التفاسير أن ابن عباس قال في الشجرة الملعونة بنو أمية . وهذا من الأخبار المختلقة عن ابن عباس ، ولا إخالها إلا مما وضعه الوضاعون في زمن الدعوة العباسية لإكثار المنفرات من بني أمية ، وأن وصف الشجرة بأنها الملعونة في القرآن صريح في وجود آيات في القرآن ذكرت فيها شجرة ملعونة وهي شجرة الزقوم كما علمت . ومثل هذا الاختلاق خروج عن وصايا القرآن في قوله { ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان } الحجرات 11 . وجيء بصيغة المضارع في نُخوِّفهم للإشارة إلى تخويف حاضر ، فإن الله خوفهم بالقحط والجوع حتى رأوا الدخان بين السماء والأرض وسألوا الله كشفه فقال تعالى { إنا كاشفو العذاب قليلا إنكم عائدون } الدخان 15 فذلك وغيره من التخويف الذي سبق فلم يزدهم إلا طغياناً . فالظاهر أن هذه الآية نزلت في مدة حصول بعض المخوفات . وقد اختير الفعل المضارع في { نخوفهم } و { يزيدهم } لاقتضائه تكرر التخويف وتجدده ، وأنه كلما تجدد التخويف تجدد طغيانهم وعظم . والكبير مستعار لِمعنى الشديد القوى في نوع الطغيان . وقد تقدم عند قوله تعالى { قل قتال فيه كبير } في سورة البقرة 217 .