Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 78-78)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

كان شَرْع الصلوات الخمس للأمة ليلة الإسراء ، كما ثبت في الحديث الصحيح ، ولكنه كان غير مثبت في التشريع المتواتر إنما أبلغه النبي أصحابه فيوشك أن لا يعلمه غيرهم ممن يأتي من المسلمين . وأيضاً فقد عينت الآية أوقاتاً للصلوات بعد تقرر فرضها ، فلذلك جاءت هذه الآية في هذه السورة التي نزلت عقب حادث الإسراء جمعاً للتشريع الذي شرع للأمة أيامئذٍ المبتدأ بقوله تعالى { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه } الآيات الإسراء 23 . فالجملة استئناف ابتدائي . ومناسبة موقعها عقب ما قبلها أن الله لما امتن على النبي بالعصمة وبالنصر ذكره بشكر النعمة بأن أمره بأعظم عبادة يَعبده بها ، وبالزيادة منها طلباً لازدياد النعمة عليه ، كما دل عليْه قوله في آخر الآية { عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً } الإسراء 79 . فالخطاب بالأمر للنبيء ، ولكن قد تقرر من اصطلاح القرآن أن خطاب النبي بتشريعٍ تدخُل فيه أمته إلا إذا دل دليل على اختصاصه بذلك الحكم ، وقد عَلم المسلمون ذلك وشاع بينهم بحيث ما كانوا يسألون عن اختصاص حكم إلا في مقام الاحتمال القوي ، كمن سأله ألنا هذه أمْ للأبد ؟ فقال بل للأبد . والإقامة مجاز في المواظبة والإدامة . وقد تقدم عند قوله تعالى { ويقيمون الصلاة } في أول سورة البقرة 3 . واللام في { لدلوك الشمس } لام التوقيت ، وهي بمعنى عند . والدلوك من أحوال الشمس ، فوَرد بمعنى زوال الشمس عن وسط قوس فَرْضيّ في طريق مسيرها اليومي . وورد بمعنى مَيل الشمس عن مقدار ثلاثة أرباع القوس وهو وقت العصر ، وورد بمعنى غروبها ، فصار لفظ الدلوك مشتركاً في المعاني الثلاثة . والغسق الظلمة ، وهي انقطاع بقايا شعاع الشمس حين يماثل سواد أفق الغروب سواد بقية الأفق وهو وقت غيبوبة الشفق ، وذلك وقت العشاء ، ويسمى العتمة ، أي الظلمة . وقد جمعت الآية أوقاتاً أربعة ، فالدلوك يجمع ثلاثة أوقات باستعمال المشترك في معانيه ، والقرينة واضحة . وفهم من حرف إلى الذي للانتهاء أن في تلك الأوقات صلوات لأن الغاية كانت لفعل { أقم الصلاة } فالغاية تقتضي تكرر إقامة الصلاة . وليس المراد غاية لصلاة واحدة جعل وقتها متسعاً ، لأن هذا فَهْم ينبو عنه ما تدل عليه اللام في قوله { لدلوك الشمس } من وجوب إقامة الصلاة عند الوقت المذكور لأنه الواجب أو الأكمل . وقد زاد عمل النبي صلى الله عليه وسلم بياناً للآية . وأما مقدار الاتساع فيعرف من أدلة أخرى وفيه خلاف بين الفقهاء . فكلمة « دلوك » لا تعادلها كلمة أخرى . وقد ثبت في حديث أبي مسعود الأنصاري في « الموطأ » أن أول الوقت هو المقصود . وثبت في حديث عطاء بن يسار مرسلاً في « الموطأ » وموصولاً عن أنس بن مالك عند ابن عبد البر وغيره أن للصبح وقتاً له ابتداء ونهاية . وهو أيضاً ثابت لكل صلاة بآثار كثيرة عَدا المغرب فقد سكت عنها الأثر . فترددت أنظار الفقهاء فيها بين وقوف عند المروي وبين قياس وقتها على أوقات غيرها ، وهذا الثاني أرجح ، لأن امتداد وقت الصلاة توسعة على المصلي وهي تناسب تيسير الدين . وجُعل الغسق نهاية للأوقات ، فعلم أن المراد أول الغسق كما هو الشأن المتعارف في الغاية بحرف إلى فعلم أن ابتداء الغسق وقت صلاة ، وهذا جمع بديع . ثم عطف { قرآن الفجر } على { الصلاة } . والتقدير وأقم قرآن الفجر ، أي الصلاة به . كذا قدر القراء وجمهور المفسرين ليُعلم أن لكل صلاة من تلك الصلوات قرآناً كقوله { فاقرءوا ما تيسر من القرآن } المزمّل 20 ، أي صَلُّوا به نافلة الليل . وخص ذكر ذلك بصلاة الفجر دون غيرها لأنها يجهر بالقرآن في جميع ركوعها ، ولأن سنتها أن يقرأ بسور من طوال المفصل فاستماع القرآن للمأمومين أكثر فيها وقراءته للإمام والفذ أكثر أيضاً . ويجوز أن يكون عطف { وقرآن الفجر } عطفَ جملة والكلام على الإغراء ، والتقدير والزَمْ قرآنَ الفجر ، قاله الزجاج . فيعلم أن قراءة القرآن في كل صلاة حتم . وهذا مجمل في كيفية الصلوات . ومقادير ما تشتمل عليه من القرآن بينته السنّة المتواترة والعرف في معرفة أوقات النهار والليل . وجملة { إن قرآن الفجر كان مشهوداً } استئناف بياني لوجه تخصيص صلاة الصبح باسم القرآن بأن صلاة الفجر مشهودة ، أي محضورة . وفُسِّر ذلك بأنها تحضرها ملائكة الليل وملائكة النهار ، كما ورد في الحديث " وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الصبح " وذلك زيادة في فضلها وبركتها . وأيضاً فهي يحضرها أكثر المصلين لأن وقتها وقت النشاط وبعدها ينتظر الناس طلوع الشمس ليخرجوا إلى أعمالهم فيكثر سماع القرآن حينئذٍ .