Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 82-82)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

عطف على جملة { وقل جاء الحق وزهق الباطل } الإسراء 81 على ما في تلك الجملة والجمل التي سبقتها من معنى التأييد للنبيء ومن الإغاظة للمشركين ابتداء من قوله { وإن كادوا ليفتنونك عن الذين أوحينا إليك } الإسراء 73 . فإنه بعد أن امتن عليه بأن أيده بالعصمة من الركون إليهم وتبشيره بالنصرة عليهم وبالخلاص من كيدهم ، وبعد أن هددهم بأنهم صائرون قريباً إلى هلاك وأن دينهم صائر إلى الاضمحلال ، أعلن له ولهم في هذه الآية أن ما منه غيظهم وحنقهم ، وهو القرآن الذي طمعوا أن يسألوا النبي أن يبدله بقرآن ليس فيه ذكر أصنامهم بسوء ، أنه لا يزال متجدداً مستمراً ، فيه شفاء للرسول وأتباعه وخسارة لأعدائه الظالمين ، ولأن القرآن مصدرُ الحق ومَدحَض الباطل أعقب قولُه { جاء الحق وزهق الباطل } الإسراء 81 بقوله { وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة } الآية . ولهذا اختير للإخبار عن التنزيل الفعل المضارع المشتق من فَعَّلَ المضاعف للدلالة على التجديد والتكرير والتكثير ، وهو وعد بأنه يستمر هذا التنزيل زمناً طويلاً . و { ما هو شفاء } مفعول { ننزل } . و { من القرآن } بيان لما في ما من الإبهام كالتي في قوله تعالى { فاجتنبوا الرجس من الأوثان } الحج 30 ، أي الرجس الذي هو الأوثان . وتقديم البيان لتحصيل غرض الاهتمام بذكر القرآن مع غرض الثناء عليه بطريق الموصولية بقوله { ما هو شفاء ورحمة } إلخ ، للدلالة على تمكن ذلك الوصف منه بحيث يعرف به . والمعنى ننزل الشفاء والرحمة وهو القرآن . وليست مِن للتبعيض ولا للابتداء . والشفاء حقيقته زوال الداء ، ويستعمل مجازاً في زوال ما هو نقص وضلال وعائق عن النفع من العقائد الباطلة والأعمال الفاسدة والأخلاق الذميمة تشبيهاً له ببرء السقم ، كقول عنترة @ ولقد شَفَى نفسي وابرأ سُقمها قيلُ الفوارس ويْكَ عنترَ قَدّمِ @@ والمعنى أن القرآن كله شفاءً ورحمة للمؤمنين ويزيد خسارة للكافرين ، لأن كل آية من القرآن من أمره ونهيه ومواعظه وقصصه وأمثاله ووعده ووعيده ، كل آية من ذلك مشتملة على هَديٍ وصلاحِ حالٍ للمؤمنين المتبعينَه ، ومشتملة بضد ذلك على ما يزيد غيظ المستمرين على الظلم ، أي الشرك ، فيزدادون بالغيظ كراهية للقرآن فيزدادون بذلك خساراً بزيادة آثامهم واستمرارهم على فاسد أخلاقهم وبُعْدِ ما بينهم وبين الإيمان . وهذا كقوله { فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناً وهم يستبشرون وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجساً إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون } التوبة 124 - 125 . وفي الآية دليل على أن في القرآن آيات يشتفى بها من الأدواء والآلام ورد تعيينها في الأخبار الصحيحة فشملتها الآية بطريقة استعمال المشترك في معنييه . وهذا مما بينا تأصيله في المقدمة التاسعة من مقدمات هذا التفسير . والأخبار الصحيحة في قراءة آيات معينة للاستشفاء من أدواء موصوفة بله الاستعاذة بآيات منه من الضلال كثيرة في صحيح البخاري و « جامع الترمذي » وغيرهما ، وفي الحديث الصحيح عن أبي سعيد الخُدْري ــــ رضي الله عنه ــــ قال " بعثنا رسول الله في سرية ثلاثين راكباً فنزلنا على قوم من العرب فسألناهم أن يضيفونا فأبوا فلُدغ سيد الحَيّ فأتونا ، فقالوا أفيكم أحد يَرقي من العقرب ؟ قال قلت نعم ولكن لا أفعل حتى يُعطونا ، فقالوا فإنا نعطيكم ثلاثين شاة ، قال فقرأت عليه فاتحة الكتاب سبع مرات فبرأ " الحديث . وفيه " حتى أتينا رسول الله فأخبرته فقال وما يُدريكَ أنها رُقْيَة ، قلت يا رسول الله شيءٌ ألقي في روعي أي إلهام ألهمه الله ، قال كلوا وأطعمونا من الغنم " فهذا تقرير من النبي صلى الله عليه وسلم بصحة إلهام أبي سعيد ــــ رضي الله عنه ــــ .