Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 90-93)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

عطف جملة { وقالوا } على جملة { فأبى أكثر الناس إلا كفورا } الإسراء 89 ، أي كفروا بالقرآن وطالبوا بمعجزات أخرى . وضمير الجمع عائد إلى أكثر الناس الذين أبوا إلا كفوراً ، باعتبار صدور هذا القول بينهم وهم راضون به ومتمالئون عليه متى علموه ، فلا يلزم أن يكون كل واحد منهم قال هذا القول كله بل يكون بعضهم قائلاً جميعه أو بعضهم قائلاً بعضه . ولما اشتمل قولهم على ضمائر الخطاب تعين أن بعضهم خاطب به النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة إما في مقام واحد وإما في مقامات . وقد ذكر ابن إسحاق أن عتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، وأبا سفيان بن حرب ، والأسود بن المطلب ، وزمعة بن الأسود ، والوليد بن المغيرة ، وأبا جهل بن هشام ، وعبد الله بن أبي أمية ، وأمية بن خلف ، وناساً معهم اجتمعوا بعد غروب الشمس عند الكعبة وبعثوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم . فأسرع إليهم حرصاً على هداهم ، فعاتبوه على تسفيه أحلامهم والطعن في دينهم . وعرضوا عليه ما يشاء من مال أو تسويد . وأجابهم بأنه رسول من الله إليهم لا يبتغي غير نصحهم ، فلما رأوا منه الثبات انتقلوا إلى طلب بعض ما حكاه الله عنهم في هذه الآية . وروي أن الذي سأل ما حكي بقوله تعالى { أو ترقى في السماء } إلى آخره ، هو عبد الله بن أبي أمية المخزومي . وحكى الله امتناعم عن الإيمان بحرف لن المفيد للتأييد لأنهم كذلك قالوه . والمراد بالأرض أرض مكة ، فالتعريف للعهد . ووجه تخصيصها أن أرضها قليلة المياه بعيدة عن الجنات . والتفجير مصدر فجر بالتشديد مبالغة في الفَجْر ، وهو الشق باتساع . ومنه سمي فجر الصباح فجراً لأن الضوء يشق الظلمة شقاً طويلاً عريضاً ، فالتفجير أشد من مطلق الفجر وهو تشقيق شديد باعتبار اتساعه . ولذلك ناسب الينبوع هنا والنهر في قوله تعالى { وفجرنا خلالها نهراً } الكهف 33 وقوله { فتفجر الأنهار } . وقرأه الجمهور ــــ بضم التاء وتشديد الجيم ــــ على أنه مضارع فجر المضاعف . وقرأه عاصم ، وحمزة ، والكسائي ، وخلف ــــ بفتح التاء وسكون الفاء وضم الجيم مخففة ــــ على أنه مضارع فجر كنصَر ، فلا التفات فيها للمبالغة لأن الينبوع يدل على المقصود أو يعبر عن مختلف أقوالهم الدالة على التصميم في الامتناع . ومعنى { لن نؤمن لك } لن نصدقك أنك رسول الله إلينا . والإيمان التصديق . يقال آمنه ، أي صدقه . وكثر أن يعدى إلى المفعول باللام ، قال تعالى { وما أنت بمؤمن لنا } يوسف 17 وقال { فآمن له لوط } العنكبوت 26 . وهذه اللام من قبيل ما سماه في مغني اللبيب لام التبيين . وغفل عن التمثيل لها بهذه الآية ونحوها ، فإن مجرور اللام بعد فعل { نؤمن } مفعول لا التباس له بالفاعل وإنما تذكر اللام لزيادة البيان والتوكيد . وقد يقال إنها لدفع التباس مفعول فعل « آمن » بمعنى صدق بمفعول فعل آمن إذا جعله أميناً . وتقدم قوله تعالى { فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه } في سورة يونس 83 . والينبوع اسم للعين الكثيرة النبع التي لا ينضب ماؤها . وصيغة يفعول صيغة مبالغة غير قياسية ، والينبوع مشتقة من مادة النبع غير أن الأسماء الواردة على هذه الصيغة مختلفة ، فبعضها ظاهر اشتقاقه كالينبوع والينبوت ، وبعضها خفي كاليعبوب للفرس الكثير الجري . وقيل اشتق من العَب المجازي . ومنه أسماء معربة جاء تعريبها على وزن يفعول مثل يَكْسوم اسم قائد حبشي ، ويرموك اسم نهر . وقد استقرى الحسن الصاغاني ما جاء من الكلمات في العربية على وزن يفعول في مختصر له مرتب على حروف المعجم . وقال السيوطي في المزهر إن ابن دريد عقد له في « الجمهرة » باباً . والجنة ، والنخيل ، والعنب ، والأنهار تقدمت في قوله { أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار } في سورة البقرة 266 . وخصوا هذه الجنة بأن تكون له ، لأن شأن الجنة أن تكون خاصة لملك واحد معين ، فأروه أنهم لا يبتغون من هذا الاقتراح نفع أنفسهم ولكنهم يبتغون حصوله ولو كان لفائدة المقترح عليه . والمقترح هو تفجير الماء في الأرض القاحلة ، وإنما ذكروا وجود الجنة تمهيداً لتفجير أنهار خلالها فكأنهم قالوا حتى تفجر لنا ينبوعاً يسقي الناس كلهم ، أو تفجر أنهاراً تسقي جنة واحدة تكون تلك الجنة وأنهارها لك . فنحن مقتنعون بحصول ذلك لا بغية الانتفاع منه . وهذا كقولهم { أو يكون لك بيت من زخرف } . وذكر المفعول المطلق بقوله { تفجيراً } للدلالة على التكثير لأن { تُفجر } قد كفى في الدلالة على المبالغة في الفَجْر ، فتعين أن يكون الإتيان بمفعوله المطلق للمبالغة في العدد ، كقوله تعالى { ونزلناه تنزيلاً } الإسراء 106 ، وهو المناسب لقوله { خلالها } ، لأن الجنة تتخللها شعب النهر لسقي الأشجار . فجمع الأنهار باعتبار تشعب ماء النهر إلى شعب عديدة . ويدل لهذا المعنى إجماع القراء على قراءة { فتفجر } هنا بالتشديد مع اختلافهم في الذي قبله . وهذا من لطائف معاني القراءات المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم فهي من أفانين إعجاز القرآن . وقولهم { أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً } انتقال من تحديه بخوارق فيها منافع لهم إلى تحديه بخوارق فيها مضرتهم ، يريدون بذلك التوسيع عليه ، أي فليأتهم بآية على ذلك ولو في مضرتهم . وهذا حكاية لقولهم كما قالوا . ولعلهم أرادوا به الإغراق في التعجيب من ذلك فجمعوا بين جعل الإسقاط لنفس السماء . وعززوا تعجيبهم بالجملة المعترضة وهي { كما زعمت } إنباء بأن ذلك لا يصدق به أحد . وعنوا به قوله تعالى { إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفاً من السماء } سبأ 9 وبقوله { وإن يروا كسفاً من السماء ساقطاً يقولوا سحاب مركوم } الطور 44 ، إذ هو تهديد لهم بأشراط الساعة وإشرافهم على الحساب . وجعلوا من في قوله تعالى { كسفاً من السماء } الطور 44 تبعيضية ، أي قطعة من الأجرام السماوية ، فلذلك أبوا تعدية فعل { تسقط } إلى ذات السماء . واعلم أن هذا يقتضي أن تكون هاتان الآيتان أو إحداها نزلت قبل سورة الإسراء وليس ذلك بمستبعد . و « الكسف » ــــ بكسر الكاف وفتح السين ــــ جمع كسْفة ، وهي القطعة من الشيء مثل سِدرة وسدر . وكذلك قرأه نافع ، وابن عامر ، وأبو بكر عن عاصم ، وأبو جعفر . وقرأه الباقون ــــ بسكون السين ــــ بمعنى المفعول ، أي المكسوف بمعنى المقطوع . والزعم القول المستبعد أو المحال . والقبيل الجماعة من جنس واحد . وهو منصوب على الحال من الملائكة ، أي هم قبيل خاص غير معروف ، كأنهم قالوا أو تأتي بفريق من جنس الملائكة . والزخرف الذهب . وإنما عدي { ترقى في السماء } بحرف في الظرفية للإشارة إلى أن الرقي تدرج في السماوات كمن يصعد في المرقاة والسلم . ثم تفننوا في الاقتراح فسألوه إن رقى أن يرسل إليهم بكتاب ينزل من السماء يقرؤونه ، فيه شهادة بأنه بلغ السماء . قيل قائل ذلك عبد الله بن أبي أمية ، قال حتى تأتينا بكتاب معه أربعة من الملائكة يشهدون لك . ولعلهم إنما أرادوا أن ينزل عليهم من السماء كتاباً كاملاً دفعة واحدة ، فيكونوا قد ألحدوا بتنجيم القرآن ، توهماً بأن تنجيمه لا يناسب كونه منزلاً من عند الله لأن التنجيم عندهم يقتضي التأمل والتصنع في تأليفه ، ولذلك يكثر في القرآن بيان حكمة تنجيمه . واللام في قوله { لرقيك } يجوز أن تكون لام التبيين . على أن « رقيك » مفعول { نؤمن } مثل قوله { لن نؤمن لك } فيكون ادعاء الرقي منفياً عنه التصديق حتى ينزل عليهم كتاب . ويجوز أن تكون اللام لام العلة ومفعول { نؤمن } محذوفاً دل عليه قوله قبله { لن نؤمن لك } . والتقدير لن نصدقك لأجل رقيك هي تنزل علينا كتاباً . والمعنى أنه لو رقى في السماء لكذبوا أعينهم حتى يرسل إليهم كتاباً يرونه نازلاً من السماء . وهذا تورك منهم وتهكم . ولما كان اقتراحهم اقتراح مُلاجّة وعناد أمره الله بأن يجيبهم بما يدل على التعجب من كلامهم بكلمة { سبحان ربي } التي تستعمل في التعجب كما تقدم في طالع هذه السورة ، ثم بالاستفهام الإنكاري ، وصيغة الحصر المقتضية قصر نفسه على البشرية والرسالة قصراً إضافياً ، أي لستُ رباً متصرفاً أخلق ما يطلب مني ، فكيف آتي بالله والملائكة وكيف أخلق في الأرض ما لم يخلق فيها . وقرأ الجمهور { قل } بصيغة فعل الأمر . وقرأه ابن كثير ، وابن عامر { قال } بألف بعد القاف بصيغة الماضي ــــ على أنه حكاية لجواب الرسول صلى الله عليه وسلم عن قولهم { لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً } على طريقة الالتفات .