Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 31-31)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الجملة مستأنفة استئنافاً بيانياً ، لأن ما أجمل من عدم إضاعة أجرهم يستشرف بالسامع إلى ترقب ما يبين هذا الأجر . وافتتاح الجملة باسم الإشارة لما فيه من التنبيه على أن المشار إليهم جديرون لما بعد اسم الإشارة لأجل الأوصاف المذكورة قبل اسممِ الإشارة ، وهي كونهم آمنوا وعملوا الصالحات . واللام في { لهم جنات عدن } لام الملك . و من للابتداء ، جعلت جهة تحتهم مَنْشأ لجري الأنهار . وتقدم شبيه هذه الآية في قوله تعالى { وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار } في سورة براءة 72 . و { عدن } تقدم في قوله تعالى { ومساكن طيبة في جنات عدن } في سورة براءة 72 . و { من تحتهم } ، بمنزلة { من تحتها } لأنّ تحت جناتهم هو تحتٌ لهم . ووجه إيثار إضافة تحت إلى ضميرهم دون ضمير الجنات زيادة تقرير المعنى الذي أفادته لام الملك ، فاجتمع في هذا الخبر عدة مقرارات لمضمونه ، وهي التأكيد مرتين ، وذكرُ اسم الإشارة . ولام الملك ، وجر اسم الجهة بــــ مِن ، وإضافة اسم الجهة إلى ضميرهم ، والمقصود من ذلك التعريض بإغاظة المشركين لتتقرر بشارة المؤمنين أتَمّ تقرر . وجملة { يحلون } في موضع الصفة « لجنات عدن » . والتحلية التزيين ، والحلية الزينة . وأسند الفعل إلى المجهول ، لأنهم يجدون أنفسهم محلَّين بتكوين الله تعالى . والأساور جمع سِوار على غير قياس . وقيل أصله جمع أسورة الذي هو جمع سِوار . فصيغة جَمع الجمع للإشارة إلى اختلاف أشكال ما يحلون به منها ، فإن الحلية تكون مرصعة بأصناف اليواقيت . و مِن في قوله { من أساور } مزيدة للتأكيد على رأي الأخفش ، وسيأتي وجهه في سورة الحج . ويجوز أن تكون للابتداء ، وهو متعين عند الذين يمنعون زيادتها في الإثبات . والسِوار حلي من ذهب أو فضة يُحيط بموضع من الذراع ، وهو اسم معرب عن الفارسية عند المحققين وهو في الفارسية دستوارَه بهاء في آخره كما في « كتاب الراغب » ، وكُتب بدون هاء في « تاج العروس » . وأما قوله { من ذهب } فإن من فيه للبيان ، وفي الكلام اكتفاء ، أي من ذهب وفضة كما اكتفي في آية سورة الإنسان بذكر الفضة عن ذكر الذهب بقوله { وحلوا أساور من فضة } الإنسان 21 ، ولكل من المعدنين جماله الخاص . واللِباس ستر البدن بثوب من قميص أو إزار أو رداء ، وجميع ذلك للوقاية من الحر والبرد وللتجمل . والثياب جمع ثوب ، وهو الشقة من النسيج . واللون الأخضر أعدل الألوان وأنفعها عند البصر ، وكان من شعار الملوك . قال النابغة @ يصونون أجساداً قديماً نعيمُها بخالصة الأردان خُضْرِ المناكب @@ والسندس صنف من الثياب ، وهو الديباج الرقيق يلبس مباشراً للجلد ليقيه غلظ الإستبرق . والإستبرق الديباج الغليظ المنسوج بخيوط الذهب ، يلبس فوق الثياب المباشرة للجلد . وكلا اللفظين معرب . فأما لفظ سندس فلا خلاف في أنه معرب وإنما اختلفوا في أصله ، فقال جماعة أصله فارسي ، وقال المحققون أصله هندي وهو في اللغة الهندية سَنْدُون بنون في آخره . كان قوم من وجوه الهند وفدوا على الإسكندر يحملون معهم هدية من هذا الديباج ، وأن الروم غيروا اسمه إلى سندوس ، والعرب نقلوه عنهم فقالوا سندس فيكون معرباً عن الرومية وأصله الأصيل هندي . وأما الإستبرق فهو معرب عن الفارسية . وأصله في الفارسية إستبره أو إستبر بدون هاء أو إستقره أو إستفره . وقال ابن دريد هو سرياني عُرب وأصله إستروه . وقال ابن قتيبة هو رومي عُرب ، ولذلك فهمزته همزة قطع عند الجميع ، وذكره بعض علماء اللغة في باب الهمزة وهو الأصوب ، ويجمع على أبارق قياساً ، على أنهم صغروه على أبيرق فعاملوا السينَ والتاء معاملة الزوائد . وفي الإتقان للسيوطي عن ابن النقيب لو اجتمع فصحاء العالم وأرادوا أن يَتركوا هذا اللفظ ويأتوا بلفظ يقوم مقامه في الفصاحة لعجزوا . وذلك أن الله تعالى إذا حث عباده على الطاعة بالوعد والوعيد . والوعدُ بما يرغب فيه العقلاء وذلك منحصر في الأماكن ، والمآكل ، والمشارب ، والملابس ، ونحوها مما تتحد فيه الطباع أو تختلف فيه . وأرْفع الملابس في الدنيا الحرير ، والحريرُ كلما كان ثوبه أثقل كان أرفع فإذا أريد ذكر هذا فالأحسن أن يذكر بلفظ واحد موضوع له صريح ، وذلك ليس إلا الإستبرق ولا يوجد في العربية لفظ واحد يدل على ما يدل عليه لفظ استبرق . هذه خلاصة كلامه على تطويل فيه . و من في قوله { من سندس } للبيان . وقدم ذكر الحلي على اللباس هنا لأن ذلك وقَع صفة للجنات ابتداء ، وكانت مظاهر الحلي أبهج للجنات ، فقدم ذكر الحلي وأخر اللباس لأن اللباس أشد اتصالاً بأصحاب الجنة لا بمظاهر الجنة ، وعكس ذلك في سورة الإنسان في قوله { عاليهم ثياب سندس } الإنسان 21 لأن الكلام هنالك جرى على صفات أصحاب الجنة . وجملة { متكئين فيها على الأرائك } في موضع الحال من ضمير { يلبسون } . والاتكاء جِلسة الراحة والترفِ . وتقدم عند قوله تعالى { وأعتدت لهن متكأً } في سورة يوسف عليه السلام 31 . والأرائك جمع أريكة . وهي اسم لمجموع سرير وحَجَلة . والحجلة قبة من ثياب تكون في البيت تجلس فيها المرأة أو تنام فيها . ولذلك يقال للنساء ربات الحجال . فإذا وضع فيها سرير للاتكاء أو الاضطجاع فيه أريكة . ويجلس فيها الرجل وينام مع المرأة ، وذلك من شعار أهل الترف . وجملة { نعم الثواب } استئناف مدح ، ومخصوص فعل المدح محذوف لدلالة ما تقدم عليه . والتقدير نعم الثواب الجنات الموصوفة . وعطف عليه فعل إنشاء ثانٍ وهو { وحسنت مرتفقاً } لأن حسن و ساء مستعملان استعمال نعم و بئس فعملا عملهما . ولذلك كان التقدير وحسنت الجنات مرتفقاً . وهذا مقابل قوله في حكاية حال أهل النار { وساءت مرتفقاً } . والمرتفق هنا مستعمل في معناه الحقيقي بخلاف مقابله المتقدم .