Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 37-41)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ قَالَ لَهُ صَـٰحِبُهُ وَهُوَ يُحَـٰوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِٱلَّذِى خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً * لَّكِنَّ هُوَ ٱللَّهُ رَبِّى وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبِّى أَحَدًا } . حُكي كلام صاحبه بفعل القول بدون عطف للدلالة على أنه واقع موقع المحاورة والمجاوبة ، كما قدمناه غير مرة . والاستفهام في قوله { أكفرت بالذي خلقك } مستعمل في التعجب والإنكار ، وليس على حقيقته ، لأن الصاحب كان يعلم أن صاحبه مشرك بدليل قوله له { ولا أشرك بربي أحداً } . فالمراد بالكفر هنا الإشراك الذي من جملة معتقداته إنكار البعث ، ولذلك عُرّف بطريق الموصولية لأن مضمون الصلة من شأنه أن يصرف من يدركه عن الإشراك به ، فإنهم يعترفون بأن الله هو الذي خلق الناس فما كان غير الله مستحقاً للعبادة . ثم إن العلم بالخلق الأول من شأنه أن يصرف الإنسان عن إنكار الخلق الثاني ، كما قال تعالى { أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد } ق 15 ، وقال { وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه } الروم 27 ، فكان مضمون الصلة تعريضاً بجهل المخاطب . وقوله { من تراب } إشارة إلى الأجزاء التي تتكون منها النطفة وهي أجزاء الأغذية المستخلصة من تراب الأرض ، كما قال تعالى في الآية الأخرى { سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض } يس 36 . والنطفة ماء الرجل ، مشتقة من النطف وهو السيلان . و { سواك } عدل خلقك ، أي جعله متناسباً في الشكل والعمل . و من في قوله { من تراب ثم من نطفة } ابتدائية ، وقوله { لكنا هو الله ربي } كتب في المصحف بألف بعد النون . واتفق القراء العشرة على إثبات الألف في النطق في حال الوقف ، وأما في حال الوصل فقرأه الجمهور بدون نطق بالألف ، وقرأه ابن عامر وأبو جعفر ورويس عن يعقوب بإثبات النطق بالألف في حال الوصل ، ورسمُ المصحف يسمح بكلتا الروايتين . ولفظ { لكنا } مركب من لكنْ بسكون النون الذي هو حرف استدراك ، ومن ضمير المتكلم أنا . وأصله لكن أنا ، فحذفت الهمزة تخفيفاً كما قال الزجاج ، أي على غير قياس لا لعلة تصريفية ، ولذلك لم يكن للهمزة حكم الثابت فلم تمنع من الإدغام الذي يمنع منه ما هو محذوف لعلة بناءً على أن المحذوف لعلةٍ بمنزلة الثابت ، ونقلت حركتها إلى نون لكنْ الساكنة دليلاً على المحذوف فالتقى نونان متحركتان فلزم إدغامهما فصار لكنا . ولا يجوز أن تكون لكِنّ المشددة النون المفتوحتها أشبعت فتحتها ، لأن لكن المشددة من أخوات إنّ تقتضي أن يكون الاسم بعدها منصوباً وليس هنا ما هو ضمير نصب ، ولا يجوز اعتبار ضمير أنا ضمير نصب اسم لكنّ لأن ضمير المتكلم المنصوب يجب أن يكون بياء المتكلم ، ولا اعتبارهُ ضميرَ المتكلم المشارك لمنافاته لإفراد ضمائره بعده في قوله { هو الله ربي ولا أشرك بربي أحداً } . فأنا مبتدأ ، وجملة { هو الله ربي } ضمير شأن وخبرُه ، وهي خبر أنا ، أي شأني هو الله ربي . والخبر في قوله { هو الله ربي } مستعمل في الإقرار ، أي أعترف بأنه ربي خلافاً لك . وموقع الاستدراك مضادةُ ما بعد لكن لما قبلها ، ولا سيما إذا كان الرجلان أخوين أو خليلين كما قيل فإنه قد يتوهم أن اعتقادهما سواء . وأكد إثبات اعترافه بالخالق الواحد بمؤكدات أربعة ، وهي الجملتان الاسميتان ، وضمير الشأن في قوله { لكنا هو الله ربي } ، وتعريف المسند والمسند إليه في قوله { الله ربي } المفيد قصر صفة ربوبية الله على نفس المتكلم قصراً إضافياً بالنسبة لمخاطبه ، أي دونك إذ تعبد آلهة غير الله ، وما القصر إلا توكيد مضاعف ، ثم بالتوكيد اللفظي للجملة بقوله { ولا أشرك بربي أحداً } . وعطف جملة { ولولا إذ دخلت } على جملة { أكفرت } عطف إنكار على إنكار . و لولا للتوبيخ ، كشأنها إذا دخلت على الفعل الماضي ، نحو { لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء } النور 13 ، أي كان الشأن أن تقول { ما شاء الله لا قوة إلا بالله } عوض قولك { ما أظن أن تبيد هذه أبداً وما أظن الساعة قائمة } الكهف 36 . والمعنى أكفرت بالله وكفرت نعمته . و ما من قوله { ما شاء الله } أحسن ما قالوا فيها إنها موصولة ، وهي خبر عن مبتدأ محذوف يدل عليه ملابسة حال دخول الجنة ، أي هذه الجنة مَا شاء الله ، أي الأمر الذي شاء الله إعطاءه إياي . وأحسن منه عندي أن تكون ما نكرة موصوفة . والتقدير هذه شيء شاء الله ، أي لي . وجملة { لا قوة إلا بالله } تعليل لكون تلك الجنة من مشيئة الله ، أي لا قوة لي على إنشائها ، أو لا قوة لمن أنشأها إلا بالله ، فإن القوى كلها موهبة من الله تعالى لا تؤثر إلا بإعانته بسلامة الأسباب والآلات المفكرة والصانعة . فما في جملة { لا قوة إلا بالله } من العُموم جعلها كالعلة والدليللِ لكون تلك الجنة جزئياً من جزئيات منشئات القوى البشرية الموهوبة للناس بفضل الله . { إِن تَرَنِ أَنَاْ أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَدًا } { لله فعسَىٰ رَبِّى أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا * أَوْ يُصْبِحَ مَآؤُهَا غَوْرًا فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا } . جملة ابتدائية رَجع بها إلى مجاوبة صاحبه عن قوله { أنا أكثر منك مالاً وأعز نفراً } الكهف 34 ، وعظه فيها بأنه لا يدري أن تصير كثرة ماله إلى قلة أو إلى اضمحلال ، وأن يصير القليلُ مالُه ذا مال كثير . وحذفت ياء المتكلم بعد نون الوقاية تخفيفاً وهو كثير . و أنا ضمير فصل ، فلذلك كان { أقل } منصوباً على أنه مفعول ثانٍ لــــ { ترن } ولا اعتداد بالضمير . و عسى للرجاء ، وهو طلب الأمر القريب الحصول . ولعله أراد به الدعاء لنفسه وعلى صاحبه . والحسبان مصدر حسب كالغفران . وهو هنا صفة لموصوف محذوف ، أي هلاكاً حسباناً ، أي مقدراً من الله ، كقوله تعالى { عطاء حساباً } النبأ 36 . وقيل الحسبان اسم جمع لسهام قصار يرمى بها في طلق واحد وليس له مفرد . وقيل اسم جمع حُسبانة وهي الصاعقة . وقيل اسم للجراد . والمعاني الأربعة صالحة هنا ، والسماء الجو المرتفع فوق الأرض . والصعيد وجه الأرض . وتقدم عند قوله تعالى { فتيمموا صعيداً طيباً } المائدة 6 . وفسروه هنا بذلك فيكون ذكره هنا توطئة لإجراء الصفة عليه وهي { زلقاً } . وفي « اللسان » عن الليث « يقال للحَديقة ، إذا خربت وذهب شجراؤها قد صارت صعيداً ، أي أرضاً مستوية لا شجر فيها » ا هــــ . وهذا إذا صح أحسن هنا ، ويكون وصفه بــــ { زلقاً } مبالغة في انعدام النفع به بالمرة . لكني أظن أن الليث ابتكر هذا المعنى من هذه الآية وهو تفسير معنى الكلام وليس تبييناً لمدلول لفظ صعيد . ونظيره قوله { وإنا لجاعلون ما عليها صعيداً جرزاً } الكهف 8 في أول هذه السورة . والزلق مصدر زلقت الرجل ، إذا اضطربت وزلت على الأرض فلم تستقر . ووصف الأرض بذلك مبالغة ، أي ذات زلق ، أي هي مزْلِقَة . والغَور مصدر غار الماء ، إذا ساخ الماء في الأرض . ووصفه بالمصدر للمبالغة ، ولذلك فرع عليه { فلن تستطيع له طلباً } . وجاء بحرف توكيد النفي زيادة في التحقيق لهذا الرجاء الصادر مصدر الدعاء .