Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 57-57)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لما بين حالهم من مجادلة الرسل لسوء نية ، ومن استهزائهم بالإنذار ، وعَرّض بحماقتهم أتبع ذلك بأنه أشد الظلم . ذلك لأنه ظلم المرء نفسه وهو أعجب الظلم ، فالذين ذُكِروا ما هم في غفلة عنه تذكيراً بواسطة آيات الله فأعرضوا عن التأمل فيها مع أنها تنذرهم بسوء العاقبة . وشأن العاقل إذا سمع مثل ذلك أن يتأهب للتأمل وأخذ الحذر ، كما " قال النبي صلى الله عليه وسلم لقريش « إذا أخبرتكم أن العدو مصبحكم غداً أكنتم مُصدِّقي ؟ فقالوا ما جربنا عليك كذباً » فقال « فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد » " ومَنْ المجرورةُ موصولة . وهي غير خاصة بشخص معين بقرينة قوله { إنا جعلنا على قلوبهم أكنة } . والمراد بها المشركون من العرب الذين ذكروا بالقرآن فأعرضوا عنه . وعطف إعراضهم عن الذكر على التذكير بفاء التعقيب إشارة إلى أنهم سارعوا بالإعراض ولم يتركوا لأنفسهم مهلة النظر والتأمل . ومعنى نِسيان ما قدمتْ يداه أنه لم يَعرض حاله وأعماله على النظر والفكر ليعلم أهي صالحة لا تخشى عواقبها أم هي سيئة من شأنها أن لا يسلم مقترفها من مؤاخذة ، والصلاحُ بَيّنٌ والفساد بينٌ ، ولذلك سمي الأول معروفاً والثاني منكَراً ، ولا سيما بعد أن جاءتهم الذكرى على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم فهم بمجموع الحالَين أشد الناس ظلماً ، ولو تفكروا قليلاً لعلموا أنهم غير مفلَتين من لقاء جزاء أعمالهم . فــــمَن استفهام مستعمل في الإنكار ، أي لا أحد أظلم من هؤلاء المتحدث عنهم . والنسيان مستعمل في التغاضي عن العمل . وحقيقة النسيان تقدم عند قوله تعالى { ما ننسخ من آية أو ننسها } في سورة البقرة 106 . ومعنى { ما قدمت يداه } ما أسلفه من الأعمال . وأكثر ما يستعمل مثل هذا التركيب في القرآن في العمل السيء ، فصار جارياً مَجرى المثل ، قال تعالى { ذلك بما قدمت يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد } ، وقال { وما أصابكم من مصيبة فبما قدمت أيديكم } . والآية مصوغة بصيغة العموم ، والمقصود الأول منها مشركو أهل مكة . وجملة { إنا جعلنا على قلوبهم أكنة } مستأنفة بيانية نشأت على جملة { ونسي ما قدمت يداه } ، أي إن لم تعلم سبب نسيانه ما قدمت يداه فأعلم أنا جعلنا على قلوبهم أكنة . وهو يفيد معنى التعليل بالمآل ، وليس موقع الجملة موقع الجملة التعليلية . والقلوب مرادُ بها مَدارك العلم . والأكنة جمع كِنان ، وهو الغِطاء ، لأنه يُكن الشيء ، أي يَحجبه . و { أن يفقهوه } مجرور بحرف محذوف ، أي مِنْ أن يفقهوه ، لتضمين { أكنة } معنى الحائل أو المانع . والوقر ثقل السمع المانع من وصول الصوت إلى الصماخ . والضمير المفرد في { يفقهوه } عائد إلى القرآن المفهوم من المقام والمعبر عنه بالآيات . وجملة { وإن تدعهم إلى الهدى } عطف على جملة { إنا جعلنا على قلوبهم } ، وهي متفرعة عليها ، ولكنها لم تعطف بالفاء لأن المقصود جعل ذلك في الإخبار المستقل . وأكد نفي اهتدائهم بحرف توكيد النفي وهو لن ، وبلفظ أبدا المؤكد لمعنى لن ، وبحرف الجزاء المفيد تسبب الجواب على الشرط . وإنما حصل معنى الجزاء باعتبار تفرع جملة الشرط على جملة الاستئناف البياني ، أي ذلك مسبب على فطر قلوبهم على عدم قبول الحق .