Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 19, Ayat: 47-48)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

سلام عليك سلام توديع ومتاركة . وبادرهُ به قبل الكلام الذي أعقبه به إشارة إلى أنه لا يسوءه ذلك الهجر في ذات الله تعالى ومرضاته . ومن حلم إبراهيم أن كانت متاركتُه أباه مثوبة بالإحسان في معاملته في آخر لحظة . والسّلام السلامة . و على للاستعلاء المجازي وهو التمكن . وهذه كلمة تحية وإكرام ، وتقدمت آنفاً عند قوله تعالى { وسلام عليه يوم ولد } مريم 15 . وأظهر حرصه على هداه فقال { سأستغفر لك ربي } ، أي أطلب منه لك المغفرة من هذا الكفر ، بأن يهديه الله إلى التوحيد فيغفر له الشرك الماضي ، إذ لم يكن إبراهيم تلقى نهياً من الله عن الاستغفار للمشرك . وهذا ظاهر ما في قوله تعالى { وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه } التوبة 114 . واستغفاره له هو المحكي في قوله تعالى { واغفر لأبي إنه كان من الضالين } الشعراء 86 . وجملة { سأستغفر لك ربي } مستأنفة ، وعلامة الاستقبال والفعل المضارع مؤذنان بأنه يكرر الاستغفار في المستقبل . وجملة { إنه كان بي حفيا } تعليل لما يتضمنه الوعد بالاستغفار من رجاء المغفرة استجابة لدعوة إبراهيم بأن يوفق الله أبا إبراهيم للتوحيد ونبذِ الإشراك . والحَفيّ الشديد البِر والإلطاف . وتقدم في سورة الأعراف 187 عند قوله { يسألونك كأنك حفي عنها } وجملة وأعتزلكم عطف على جملة { سأستغفر لك ربي } ، أي يقع الاستغفار في المستقبل ويقع اعتزالي إياكم الآن ، لأن المضارع غالب في الحال . أظهر إبراهيم العزم على اعتزالهم وأنه لا يتوانى في ذلك ولا يأسف له إذا كان في ذات الله تعالى ، وهو المحكي بقوله تعالى { وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين } الصافات 99 ، وقد خرج من بَلد الكلدان عازماً على الالتحاق بالشام حسب أمر الله تعالى . رأى إبراهيم أن هجرانه أباه غير مغن ، لأن بقية القوم هم على رأي أبيه فرأى أن يهجرهم جميعاً ، ولذلك قال له { وأعتزلكم } . وضمير جماعة المخاطبين عائد إلى أبي إبراهيم وقومه تنزيلاً لهم منزلة الحضور في ذلك المجلس ، لأن أباه واحد منهم وأمرهم سواء ، أو كان هذا المقال جرى بمحضر جماعة منهم . وعُطف على ضمير القوم أصنامُهم للإشارة إلى عداوته لتلك الأصنام إعلاناً بتغيير المنكر . وعبر عن الأصنام بطريق الموصولية بقوله { ما تدعون من دون الله } للإيماء إلى وجه بناء الخبر وعلّة اعتزاله إياهم وأصنامَهم بأن تلك الأصنام تعبد من دون الله وأن القوم يعبدونها ، فذلك وجه اعتزاله إياهم وأصنامهم . والدعاء العبادة ، لأنها تستلزم دعاء المعبود . وزاد على الإعلان باعتزال أصنامهم الإعلان بأنه يدعو الله احتراساً من أن يحسبوا أنه نوى مجرد اعتزال عبادة أصنامهم فربما اقتنعوا بإمساكه عنهم ، ولذا بيّن لهم أنه بعكس ذلك يدعو الله الذي لا يعبدونه . وعبّر عن الله بوصف الربوبية المضاف إلى ضمير نفسه للإشارة إلى انفراده من بينهم بعبادة الله تعالى فهو ربّه وحده من بينهم ، فالإضافة هنا تفيد معنى القصر الإضافي ، مع ما تتضمنه الإضافة من الاعتزاز بربوبية الله إياه والتشريف لنفسه بذلك . وجملة { وعسى ألا أكون بدعاء ربي شقياً } في موضع الحال من ضمير { وأدعوا } أي راجياً أن لا أكون بدعاء ربي شقياً . وتقدم معناه عند قوله { ولم أكن بدعائك رب شقياً } في هذه السورة 4 . وفي إعلانه هذا الرجاء بين ظهرانيهم تعريض بأنهم أشقياء بدعاء آلهتهم .