Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 19, Ayat: 51-53)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أفضت مناسبة ذكر إبراهيم ويعقوب إلى أن يذكر موسى في هذا الموضع لأنه أشرف نبي من ذرية إسحاق ويعقوب . والقول في جملة { واذكر } وجملة إنه كان كالقول في نظيريهما في ذكر إبراهيم عدا أن الجملة هنا غير معترضة بل مجرد استئناف . وقرأ الجمهور { مخلصاً } بكسر اللام من أخلص القاصر إذا كان الإخلاص صفته . والإخلاص في أمر ما الإتيانُ به غير مشوب بتقصير ولا تفريط ولا هوادة ، مشتق من الخلوص ، وهو التمحض وعدم الخلط . والمراد هنا الإخلاص فيما هو شأنه ، وهو الرسالة بقرينة المقام . وقرأه حمزة ، وعاصم ، والكسائي ، وخلف بفتح اللام من أخلصه ، إذا اصطفاه . وخُص موسى بعنوان المخلص على الوجهين لأن ذلك مزيته ، فإنه أخلص في الدعوة إلى الله فاستخف بأعظم جبار وهو فرعون ، وجادله مجادلة الأكفاء ، كما حكى الله عنه في قوله تعالى في سورة الشعراء 18 ، 19 { قال ألم نربك فينا وليداً ولبثت فينا من عمرك سنين وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين } إلى قوله { قال أولو جئتك بشيء مبين } الشعراء 30 . وكذلك ما حكاه الله عنه بقوله { قال رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين } القصص 17 ، فكان الإخلاص في أداء أمانة الله تعالى ميزته . ولأن الله اصطفاه لكلامه مباشرة قبل أن يرسل إليه المَلك بالوحي ، فكان مخلَصاً بذلك ، أي مصطفى ، لأن ذلك مزيته قال تعالى { واصطنعتك لنفسي } طه 41 . والجمع بين وصف موسى لأنه رسول ونبيء . وعطف { نبياً } على { رسولاً } مع أن الرسول بالمعنى الشرعي أخص من النبي ، فلأن الرسول هو المرسلَ بوحي من الله ليبلغ إلى الناس فلا يكون الرسول إلا نبياً ، وأما النبي فهو المنبّأ بوحي من الله وإن لم يؤمر بتبليغه ، فإذا لم يؤمر بالتبليغ فهو نبيء وليس رسولاً ، فالجمع بينهما هنا لتأكيد الوصف ، إشارة إلى أن رسالته بلغت مبلغاً قوياً ، فقوله { نبياً } تأكيد لوصف { رسولاً } . وتقدم اختلاف القراء في لفظ نبياً عند ذكر إبراهيم . وجملة وناديناه عطف على جملة { إنه كان مخلصاً } فهي مثلها مستأنفة . والنداء الكلام الدال على طلب الإقبال ، وأصله جهر الصوت لإسماع البعيد ، فأطلق على طلب إقبال أحد مجازاً مرسَلاً ، ومنه { إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة } الجمعة 9 ، وهو مشتق من الندى ــــ بفتح النون وبالقصر ــــ وهو بُعد الصوت . ولم يسمع فعله إلاّ بصيغة المفاعلة ، وليست بحصول فعل من جانبين بل المفاعلة للمبالغة ، وتقدم عند قوله تعالى { كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء } في سورة البقرة 171 ، وعند قوله { ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان } في سورة آل عمران 193 . وهذا النداء هو الكلام الموجه إليه من جانب الله تعالى . قال تعالى { إني اصطفيتك على الناس برسالتي وبكلامي } في سورة الأعراف 144 ، وتقدم تحقيق صفته هناك ، وعند قوله تعالى { حتى يسمع كلام اللَّه } في سورة براءة 6 . والطّور الجبل الواقع بين بلاد الشام ومصر ، ويقال له طور سيناء . وجانبه ناحيته السفلى ، ووصفه بالأيمن لأنه الذي على يمين مستقبل مشرق الشمس ، لأن جهة مشرق الشمس هي الجهة التي يضبط بها البشر النواحي . والتقريب أصله الجعل بمكان القرب ، وهو الدنو وهو ضد البعد . وأريد هنا القرب المجازي وهو الوحي . فقوله { نَجِيّاً } حال من ضمير { مُوسَىٰ } ، وهي حال مؤكدة لمعنى التقريب . ونجّي فعيل بمعنى مفعول من المناجاة . وهي المحادثة السرية شُبّه الكلام الذي لم يكلم بمثله أحداً ولا أطْلَع عليه أحداً بالمناجاة . وفعيل بمعنى مفعول ، يجيء من الفعل المزيد المجرد بحذف حرف الزيادة ، مثل جليس ونديم ورضيع . ومعنى هبة أخيه له أن الله عزّزه به وأعانه به ، إذ جعله نبياً وأمره أن يرافقه في الدعوة ، لأن في لسان موسى حُبسة ، وكان هارون فصيح اللسان ، فكان يتكلم عن موسى بما يريد إبلاغه ، وكان يستخلفه في مهمات الأمة . وإنما جعلت تلك الهبة من رحمة الله لأن الله رحم موسى إذ يسّر له أخاً فصيح اللسان ، وأكمله بالإنباء حتى يعلم مراد موسى مما يبلغه عن الله تعالى . ولم يوصف هارون بأنه رسول إذ لم يرسله الله تعالى ، وإنما جعله مبلّغاً عن موسى . وأما قوله تعالى { فقولا إنا رسولا ربك } طه 47 فهو من التغليب .