Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 146-146)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
جملة معترضة بين جملة { ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب } البقرة 145 الخ ، وبين جملة { ولكل وجهةٌ } البقرة 148 الخ اعتراضَ استطرادٍ بمناسبة ذكر مطاعن أهل الكتاب في القبلة الإسلامية ، فإن طعنهم كان عن مكابرة مع علمهم بأن القبلة الإسلامية حق كما دلّ عليه قوله { وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم } البقرة 144 ، فاستُطرد بأن طعنهم في القبلة الإسلامية ما هو إلاّ من مجموع طَعنهم في الإسلام وفي النبي صلى الله عليه وسلم والدليلُ على الاستطراد قوله بعده { ولكل وجهةٌ هو موليها } البقرة 148 ، فقد عاد الكلام إلى استقبال القبلة . فالضمير المنصوب في { يَعْرِفُونه } لا يعود إلى تحويل القبلة لأنه لو كان كذلك لصارت الجملة تكريراً لمضمون قوله { وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم } ، بل هو عائد إما إلى الرسول وإن لم يسبق ذكر لمعادٍ مناسبٍ لضمير الغيبة ، لكنه قد علم من الكلام السابق وتكرر خطابه فيه من قوله { وما جعلنا القبلة التي كنت عليها } البقرة 143 ، وقوله { قد نرى تقلب وجهك } البقرة 144 ، وقوله { فلنولينك قبلة } البقرة 144 ، وقوله { فول وجهك } البقرة 144 فالإتيان بالضمير بطريق الغيبة من الالتفات ، وهو على تقدير مضاف أي يعرفون صِدْقَهُ ، وإما أن يعود إلى الحق في قوله السابق { ليكتمون الحق } فيشمل رسالة الرسول وجميعَ ما جاء به ، وإما إلى العلم في قوله { من بعد ما جاءك من العلم } البقرة 145 . والتشبيه في قوله { كما يعرفون أبناءهم } تشبيه في جلاء المعرفة وتحققها فإن معرفة المرء بعلائِقه معرفة لا تقبل اللبس ، كما قال زهير @ فهن ووادي الرس كاليد للفم @@ تشبيهاً لشدة القرب البيّن . وخص الأبناء لشدة تعلق الآباء بهم فيكون التملي من رؤيتهم كثيراً فتتمكن معرفتهم فمعرفة هذا الحق ثابتة لجميع علمائهم . وعدل عن أن يقال يعلمونه إلى { يعرفونه } لأن المعرفة تتعلق غالباً بالذوات والأمور المحسوسة قال تعالى { تعرف في وجوههم نضرة النعيم } المطففين 24 وقال زهير @ فَلأْياً عَرَفْتُ الدَّار بعد توهم @@ وتقول عرفت فلاناً ولا تقول عرفت عِلْم فلان ، إلاّ إذا أردت أن علمه صار كالمشاهد عندك ، ولهذا لا يعدى فعل العرفان إلى مفعولين كما تُعدى أفعال الظن والعلم ، ولهذا يوصف الله تعالى بصفة العلم فيقال العليم ، ولا يوصف بصفة المعرفة فلا يقال الله يعرف كذا ، فالمعنى يعرفون الصفات الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعلاماته المذكورة في كتبهم ، ويعرفون الحق كالشيء المشاهد . والمراد بقوله { الذين أتيناهم الكتاب } أحبارُ اليهود والنصارى ولذلك عُرِّفوا بأنهم أوتوا الكتاب أي علموا علم التوراة وعلم الإنجيل . وقوله { وإن فريقاً منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون } تخصيص لبعض الذين أوتوا الكتاب بالعناد في أمر القبلة وفي غيره مما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - وذم لهم بأنهم يكتمون الحق وهم يعلمونه وهؤلاء مُعظم الذين أوتوا الكتاب قبل ابن صُوريا وكعب بن الأَشْرف فبقي فريق آخر يعلمون الحق ويعلنون به وهم الذين آمنوا بالنبي - عليه الصلاة والسلام - من اليهود قبل عبد الله بن سَلاَم ، ومن النصارى مثل تميم الدَّاري وصهيب . أما الذين لا يعلمون الحق فضلاً عن أن يكتموه فلا يعبأ بهم في هذا المقام ولم يدخلوا في قوله { الذين أتيناهم الكتاب } ولا يشملهم قوله { يعرفونه كما يعرفون أبناءهم } .