Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 266-266)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
استئناف بياني أثارُه ضرب المثل العجيب للمنفق في سبيل الله بمثَل حبَّة أنبتت سبع سنابل ، ومثَل جنة برُبوة إلى آخر ما وصف من المَثَلين . ولمَّا أتبع بما يفيد أنّ ذلك إنّما هو للمنفقين في سبيل الله الذين لا يتبعون ما أنفقوا مناً ولا أذًى ، ثم أتبع بالنهي عن أن يُتبعوا صدقاتهم بالمنّ والأذى ، اسْتشرفت نفس السامع لتلقي مَثَل لهم يوضح حالهم الذميمة كما ضُرب المثل لمن كانوا بضدّ حالهم في حالة محمودة . ضرب الله هذا مثلاً لمقابل مثل النفقة لمرضاة الله والتصديق وهو نفقة الرئاء ، ووجه الشبه هو حصول خيبة ويأس في وقت تمام الرجاء وإشراف الإنتاج ، فهذا مقابل قوله { ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله } البقرة 265 الآية . وقد وصف الجنّة بأعظم ما يحسن به أحوال الجنّات وما يُرجى منه توفر رَيعها ، ثم وصف صاحبها بأقصى صفات الحاجة إلى فائدة جنّته ، بأنّه ذو عيال فهو في حاجة إلى نفعهم وأنهم ضعفاء ــــــ أي صغار ــــــ إذ الضعيف في « لسان العرب » هو القاصر ، ويطلق الضعيف على الفقير أيضاً ، قال تعالى { فإن كان الذي عليه الحق سفيهاً أو ضعيفاً } البقرة 282 ، وقال أبو خالد العتَّابي @ لقد زادَ الحياةَ إليّ حُبا بَناتي إنَّهُنّ من الضِّعاف @@ وقد أصابه الكِبَر فلا قدرة له على الكسب غير تلك الجنة ، فهذه أشدّ الأحوال الحرص كقول الأعْشى @ كجَابيِة الشَّيخِ العِراقي تَفْهَقُ @@ فحصل من تفصيل هذه الحالة أعظم الترقّب لثمرة هذه الجنة كما كان المعطي صدقتُه في ترقّب لثوابها . فأصابها إعصار ، أي ريح شديدة تَقلع الشجر والنباتَ ، فيها نار أي شدة حرارة ــــــ وهي المسمّاة بريح السموم ، فإطلاق لفظ نار على شدة الحر تشبيه بليغ ، فأحرَقت الجنةّ ــــــ أي أشجارها ــــــ أي صارت أعوادها يابسة ، فهذا مفاجأة الخيبة في حين رجاء المنفعة . والاستفهام في قوله { أيَوَدُّ } استفهام إنكار وتحذير كما في قوله { أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً } الحجرات 12 . والهيأة المشبّهة محذوفة وهي هيأة المنفق نفقة متبعة بالمنّ والأذى . روى البخاري أنّ عمر بن الخطاب سأل يوماً أصحابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمَ ترون هذه الآية نَزلت { أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب } الآية ، فقال بعضهم « الله أعلم » ، فغضب عمر وقال « قولوا نَعْلَم أو لا نعلم » ، فقال ابن عباس « في نفسي منها شيء يا أمير المؤمنين » ، فقال عمر يا ابن أخي قُل ولا تحقِرْ نفسك » ، قال ابن عباس « ضُربت مثلاً لعَملٍ » ، قال عمر « أيُّ عمل » ، قال ابن عباس « لعملٍ » ، قال صدقتَ ، لرجل غني يعمل بطاعة الله ، ثم بعث الله عز وجل إليه الشيطان لما فَني عمره فعمل في المعاصي حتى أحرق عمله . وقوله { كذلك يبين الله لكم الآيات } تذييل ، أي كَهذا البيان الذي فيه تقريب المعْقول بالمحسوس بين الله نصحاً لكم ، رجاء تفكّركم في العواقب حتى لا تكونوا على غفلة . والتشبيه في قوله { كذلك يبين الله لكم الآيات } نحو ما في قوله تعالى { وكذلك جعلناكم أمة وسطاً } البقرة 143 .