Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 268-268)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

استئناف عن قوله { أنفقوا من طيبات ما كسبتم } البقرة 267 لأنّ الشيطان يصدّ الناس عن إعطاء خيار أموالهم ، ويغريهم بالشحّ أو بإعطاء الرديء والخبيث ، ويخوّفهم من الفقر إن أعطوا بعض مَالهم . وقدّم اسم الشيطان مسنداً إليه لأنّ تقديمه مؤذن بذمّ الحكم الذي سيق له الكلام وشؤمِه لتحذير المسلمين من هذا الحكم ، كما يقال في مثال علم المعاني « السَّفَّاح في دَار صديقك » ، ولأنّ في تقديم المسند إليه على الخبر الفعلي تَقَوِّيَ الحُكم وتحقيقه . ومعنى { يعدكم } يسوّل لكم وقوعه في المستقبل إذا أنفقتم خيار أموالكم ، وذلك بما يلقيه في قلوب الذين تخلّقوا بالأخلاق الشيطانية . وسمّي الإخبار بحصول أمر في المستقبل وعداً مجازاً لأنّ الوعد إخبار بحصول شيء في المستقبل من جهة المخبِر ، ولذلك يقال أنجز فلان وعده أو أخلف وعده ، ولا يقولون أنجز خَبَره ، ويقولون صدق خَبَرِه وصدَق وعده ، فالوعد أخصّ من الخبر ، وبذلك يؤذن كلام أئِمة اللغة . فشُبِّه إلقاء الشيطان في نفوسهم توقّع الفقر بوعد منه بحصوله لا محالة ، ووجه الشبه ما في الوعد من معنى التحقق ، وحسَّن هذا المجاز هنا مشاكلته لقوله { والله يعدكم مغفرة } فإنّه وعد حقيقي . ثم إن كان الوعد يطلق على التعهد بالخير والشر كما هو كلام « القاموس » ــــــ تبعاً لفصيح ثعلب ــــــ ففي قوله يعدكم الفقر مجاز واحد ، وإن كان خاصاً بالخير كما هو قول الزمخشري في الأساس ، ففي قوله { يعدكم الفقر } مجازان . والفقر شدّة الحاجة إلى لوازم الحياة لقلة أو فقد ما يعاوض به ، وهو مشتق من فقار الظهر ، فأصله مصدر فَقَره إذا كسر ظهره ، جعلوا العاجز بمنزلة من لا يستطيع أدنى حركة لأنّ الظَّهر هو مجمع الحركات ، ومن هذا تسميتهم المصيبة فاقرة ، وقاصمة الظهر ، ويقال فَقْر وفُقْر وفَقَر وفُقُر ــــــ بفتح فسكون ، وبفتحتين ، وبضم فسكون ، وبضمتين ــــــ ، ويقال رجل فقير ، ويقال رجل فَقْر وصفاً بالمصدر . والفحشاء اسم لفعل أو قول شديد السوء واستحقاقِ الذم عرفاً أو شرعاً . مشتق من الفحش ــــــ بضم الفاء وسكون الحاء ــــــ تجاوز الحد . وخصّه الاستعمال بالتجاوز في القبيح ، أي يأمركم بفعل قبيح . وهذا ارتقاء في التحذير من الخواطر الشيطانية التي تدعو إلى الأفعال الذميمة ، وليس المراد بالفحشاء البخل لأنّ لفظ الفحشاء لا يطلق على البخل وإن كان البخيل يسمّى فاحشاً . وإطلاق الأمر على وسوسة الشيطان وتأثير قوته في النفوس مجاز لأنّ الأمر في الحقيقة من أقسام الكلام . والتعريف في الفحشاء تعريف الجنس . { وَٱللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ } . عطف على جملة { الشيطان يعدكم الفقر } لإظهار الفرق بين ما تدعو إليه وساوس الشيطان وما تدعو إليه أوامر الله تعالى ، والوعد فيه حقيقة لا محالة . والقول في تقديم اسم الجلالة على الخبر الفعلي في قوله { والله يعدكم } على طريقة القول في تقديم اسم الشيطان في قوله { الشيطان يعدكم الفقر } . ومعنى « واسع » أنّه واسع الفضل ، والوصف بالواسع مشتق من وَسِع المتعدي ــــــ إذا عمّ بالعطاء ونحوه ــــــ قال الله تعالى { ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما } غافر 7 ، وتقول العرب « لا يسعني أن أفعل كذا » ، أي لا أجدُ فيه سعة ، وفي حديث علي في وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم " قد وسع الناسَ بِشْرُه وخُلقُه " . فالمعنى هنا أنّه وَسِعَ الناس والعالمين بعطائِه .