Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 285-285)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال الزجاج « لما ذكر الله في هذه السورة أحكاماً كثيرةً ، وقصصاً ، ختمها بقوله { آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه } تعظيماً لنبيّه صلى الله عليه وسلم وأتباعه ، وتأكيداً وفذلكة لجميع ذلك المذكور من قبل » . يعني أنّ هذا انتقال من المواعظ ، والإرشاد ، والتشريع ، وما تخلّل ذلك ممّا هو عون على تلك المقاصد ، إلى الثناء على رسوله والمؤمنين في إيمانهم بجميع ذلك إيماناً خالصاً يتفرّع عليه العمل لأنّ الإيمان بالرسول والكتاب ، يقتضي الامتثالَ لما جاء به من عمل . فالجملة استئناف ابتدائي وضعت في هذا الموقع لمناسبة ما تقدم ، وهو انتقال مؤذن بانتهاء السورة لأنّه لما انتقل من أغراض متناسبة إلى غرض آخر هو كالحاصل والفذلكة ، فقد أشعر بأنّه استوفى تلك الأغراض . وورد في أسباب النزول أنّ قوله { آمن الرسول } يرتبط بقوله { وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه } البقرة 284 كما تقدم آنفاً . وأل في الرسول للعهد . وهو عَلَم بالغلبة على محمد صلى الله عليه وسلم في وقت النزول قال تعالى { وهمّوا بإخراج الرسول } التوبة 13 . و { المؤمنون } معطوف على { الرسول } ، والوقف عليه . والمؤمنون - هنا - لَقَب للذين استجابوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلذلك كان في جعله فاعلاً لقوله { آمن } فائدةٌ ، مع أنّه لا فائدةَ في قولك قامَ القائمون . وقوله { كل آمن بالله } جمع بعد التفصيل ، وكذلك شأن كلَ إذا جاءت بعد ذكر متعدّد في حُكْم ، ثم إرادة جمعه في ذلك ، كقول الفضل بن عباس اللَّهَبِي ، بعد أبيات @ كُلٌّ له نِيَّةٌ في بغض صاحبه بنعمة الله نقليكم وتَقْلُونا @@ وإذ كانت كلّ من الأسماء الملازمة الإضافة فإذا حذف المضاف إليه نوّنت تنوينَ عوض عن مفرد كما نبّه عليه ابن مالك في « التسهيل » . ولا يعكر عليه أنّ كل اسم معرب لأنّ التنوين قد يفيد الغرضين فهو من استعمال الشيء في معنييه . فمن جوّز أن يكون عَطْفُ { المؤمنون } عطفَ جملة وجعل { المؤمنون } مبتدأ وجعل { كلٌّ } مبتدأ ثانياً { وآمن } خبره ، فقد شذّ عن الذوق العربي . وقرأ الجمهور { وكتبه } بصيغة جمع كتاب ، وقرأه حمزة ، والكسائي وكِتَابِه ، بصيغة المفرد على أنّ المراد القرآن أو جنس الكتاب . فيكون مساوياً لقوله { وكتبه } ، إذ المراد الجنس ، والحقُّ أنّ المفرد والجمع سواء في إرادة الجنس ، ألا تراهم يقولون إنّ الجمع في مدخول أل الجنسية صوري ، ولذلك يقال إذا دَخلت ألْ الجنسية على جمع أبطلت منه معنى الجمعية ، فكذلك كل ما أريد به الجنس كالمضاف في هاتين القراءتين ، والإضافة تأتي لما تأتي له اللام ، وعن ابن عباس أنّه قال ، لما سئل عن هذه القراءة « كتابِه أكثر من كُتبِه - أو - الكتاب أكثر من الكتب » فقيل أراد أنّ تناول المفرد المراد به الجنس أكثر من تناول الجمع حين يراد به الجنس ، لاحتمال إرادة جنس الجموع ، فلا يسري الحكم لما دون عدد الجمع من أفراد الجنس ، ولهذا قال صاحب « المفتاح » « استغراق المفرد أشمل من استغراق الجمع » . والحقُّ أنّ هذا لا يقصده العرب في نفي الجنس ولا في استغراقه في الإثبات . وأنّ كلام ابن عباس - إن صح نقله عنه - فتأويله أنّه أكْثَر لمساواته له معنى ، مع كونه أخصر لفظاً ، فلعلّه أراد بالأكثر معنى الأرجح والأقوى . وقوله { لا نفرّق بين أحد من رسله } قرأه الجمهور بنون المتكلم المشارَك ، وهو يحتمل الالتفات بأن يكون من مقول قول محذوفٍ دل عليه السياق وعطف { وقالوا } عليه . أو النون فيه للجلالة أي آمَنُوا في حَال أنّنا أمرناهم بذلك ، لأنّنا لا نفرّق فالجملة معترضة . وقيل هو مقول لقول محذوف دل عليه آمَن لأنّ الإيمان اعتقاد وقول . وقرأه يعقوب بالياء على أنّ الضمير عائد على { كلُّ آمن بالله } . والتفريق هنا أريد به التفريق في الإيمان به والتصديق بأن يؤمن ببعض ويكفر ببعض . وقوله { لا نفرّق بين أحد من رسله } تقدم الكلام على نظيره عند قوله تعالى { لا نفرّق بين أحد منهم ونحن له مسلمون } البقرة 136 . { وقالوا سمعنا وأطعنا } عطف على { آمن الرسول } والسمع هنا كناية عن الرضا ، والقبول ، والامتثال ، وعكسه لا يَسمعون أي لا يطيعون وقال النابغة @ تَناذَرَهَا الرّاقُون مِنْ سُوءِ سَمْعِها @@ أي عدم امتثالها للرُّقْيَا . والمعنى إنَّهم آمنوا ، واطمأنّوا وامتثلوا ، وإنّما جيء بلفظ الماضي ، دون المضارع ، ليدلوا على رسوخ ذلك لأنّهم أرادوا إنشاء القبول والرضا ، وصيغ العقود ونحوها تقع بلفظ الماضي نحو بعْت . و { غفرانك } نُصب على المفعول المطلق أي اغفِرْ غفرانك ، فهو بدل من فعله . والمصير يحتمل أن يكون حقيقة فيكون اعترافاً بالبعث ، وجعل منتهياً إلى الله لأنّه منتهٍ إلى يوم ، أو عالَم ، تظهر فيه قدرة الله بالضرورة . ويحتمل أنّه مجاز عن تمام الامتثال والإيمان . كأنّهم كانوا قبل الإسلام آبقين ، ثم صاروا إلى الله ، وهذا كقوله تعالى { ففروا إلى اللَّه } الذاريات 50 . وجعل المصير إلى الله تمثيلاً للمصير إلى أمره ونهيه كقوله { ووجد اللَّه عنده فوفاه حسابه } النور 39 وتقديم المجرور لإفادة الحصر أي المصير إليك لا إلى غيرك ، وهو قصر حقيقي قصدوا به لازم فائدته ، وهو أنّهم عالِمون بأنّهم صائرون إليه ، ولا يصيرون إلى غيره ممّن يعبدهم أهل الضّلال .