Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 108-112)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
جملة { يتبعون الدّاعي } في معنى المفرعة على جملة { يَنسِفُهَا } طه 105 . و { يَوْمَئِذٍ } ظرف متعلق بــــ { يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ } . وقدم الظرف على عامله للاهتمام بذلك اليوم ، وليكون تقديمه قائماً مقام العَطف في الوصل ، أي يتبعون الداعي يوم ينسف ربّك الجبال ، أي إذا نسفت الجبال نودوا للحشر فحضروا يتبعون الداعي لذلك . والداعي ، قيل هو المَلك إسرافيل ــــ عليه السلام ــــ يدعو بنداء التسخير والتكوين ، فتعود الأجساد والأرواح فيها وتهطع إلى المكان المدعوّ إليه . وقيل الداعي الرسول ، أي يتبع كلّ قوم رسولهم . و { لا عِوَجَ لَهُ } حال من { الدَّاعِيَ } . واللام على كلا القولين في المراد من الداعي للأجْل ، أي لا عوج لأجل الداعي ، أي لا يروغ المدعوون في سيرهم لأجل الداعي بل يقصدون متجهين إلى صَوبه . ويجيء على قول من جعل المراد بالداعي الرسول أن يرَاد بالعوج الباطل تعريضاً بالمشركين الذين نسبوا إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - العِوج كقولهم { إن تتبعون إلاّ رجلاً مسحوراً } الفرقان 8 ، ونحو ذلك من أكاذيبهم ، كما عُرض بهم في قوله تعالى { الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً } الكهف 1 . فالمصدر المنفي أريد منه نفي جنس العوج في اتباع الداعي ، بحيث لا يسلكون غير الطريق القويم ، أو لا يسلك بهم غير الطريق القويم ، أو بحيث يعلمون براءة رسولهم من العِوج . وبيْن قوله { لا ترى فيها عوجاً } طه 107 وقوله { لا عِوَج له } مراعاة النظير ، فكما جعل الله الأرض يومئذ غير معوجة ولا ناتئة كما قال { فإذا هم بالساهرة } النازعات 14 كذلك جعل سير النّاس عليها لا عوج فيه ولا مراوغة . والخشوع الخضوع ، وفي كلّ شيء من الإنسان مظهر من الخشوع فمظهر الخشوع في الصوت الإسرار به ، فلذلك فرع عليه قوله { فلا تسمع إلاّ همساً } . والهمس الصوت الخفيّ . والخطاب بقوله { لا ترى فيها عوجاً } وقوله { فلا تسمع إلا همساً } خطاب لغير معين ، أي لا يرى الرائي ولا يسمع السامع . وجملة { وخَشَعَتِ الأصوَاتُ } في موضع الحال من ضمير { يتّبعون } وإسناد الخشوع إلى الأصوات مجاز عقلي ، فإن الخشوع لأصحاب الأصوات أو استعير الخشوع لانخفاض الصوت وإسراره ، وهذا الخشوع من هول المقام . وجملة { يومئذ لا تنفع الشفاعة } كجملة { يومئذ يتبعون الداعي } في معنى التفريع على { وخشعت الأصوات للرحمٰن } ، أي لا يتكلّم الناس بينهم إلاّ همساً ولا يجرؤون على الشفاعة لمن يهمهم نفعه . والمقصود من هذا أن جلال الله والخشية منه يصدان عن التوسط عنده لنفع أحد إلاّ بإذنه ، وفيه تأييس للمشركين من أن يجدوا شفعاء لهم عند الله . واستثناء { مَن أذِنَ لهُ الرَّحمٰنُ } من عموم الشفاعة باعتبار أنّ الشفاعة تقتضي شافعاً ، لأن المصدر فيه معنى الفعل فيقتضي فاعلاً ، أي إلا أن يشفع من أذن له الرحمان في أن يشفع ، فهو استثناء تام وليس بمفرغ . واللاّم في { أذِنَ لهُ } لام تعدية فِعل { أَذِنَ } ، مثل قوله { قال فرعون آمنتم به قبل أن آذن لكم } الأعراف 123 . وتفسير هذا ما ورد في حديث الشفاعة من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - " فيقال لي سلْ تُعْطَه واشفَعْ تُشفّع " وقوله { ورضِيَ له قولاً } عائد إلى { مَن أذن له الرّحمان } وهو الشافع . واللاّم الداخلة على ذلك الضمير لام التّعليل ، أي رضي الرحمانُ قولَ الشّافع لأجل الشافع ، أي إكراماً له كقوله تعالى { ألم نشرح لك صدرك } الشرح 1 فإن الله ما أذن للشافع بأن يشفع إلا وقد أراد قبول شفاعته ، فصار الإذن بالشّفاعة وقبولُها عنواناً على كرامة الشافع عند الله تعالى . والمجرور متعلق بفعل { رضي } . وانتصب { قولاً } على المفعولية لفعل { رضي } لأن { رضي } هذا يتعدى إلى الشيء المرضي به بنفسه وبالباء . وجملة { يعلَمُ ما بينَ أيديهِم وما خلفهم } مستأنفة بيانية لجواب سؤال من قد يسأل بيان ما يوجب رضى الله عن العبد الذي يأذن بالشفاعة فيه . فبُيّن بياناً إجمالياً بأن الإذن بذلك يجري على ما يقتضيه عِلم الله بسائر العبيد وبأعمالهم الظاهرة ، فعبر عن الأعمال الظاهرة بما بَيْن أيديهم لأنّ شأن ما بين الأيدي أن يكون واضحاً ، وعبر عن السرائر بما خلفهم لأنّ شأن ما يجعل خلف المرء أن يكون محجوباً . وقد تقدم ذلك في آية الكرسي ، فهو كناية عن الظاهرات والخفيات ، أي فيأذن لمن أراد تشريفه من عباده المقربين بأن يشفع في طوائف مثل ما ورد في الحديث " يخرج من النّار من كان في قلبه مثقال حبّة من إيمان " ، أو بأن يشفع في حالة خاصة مثل ما ورد في حديث الشفاعة العظمى في الموقف لجميع الناس بتعجيل حسابهم . وجملة { ولاَ يُحِيطُونَ بهِ عِلْماً } تذييل للتعليم بعظمة علم الله تعالى وضآلة علم البشر ، نظير ما وقع في آية الكرسي . وجملة { وعَنَتِ الوجوهُ للِحَيّ القيُّوم } معطوفة على جملة { وخَشَعَتِ الأصواتُ للرٰحمٰنِ } ، أي ظهر الخضوع في الأصوات والعناء في الوجوه . والعناء الذلة ، وأصله الأسر ، والعاني الأسير . ولما كان الأسير ترهقه ذلة في وجهه أسند العناء إلى الوجوه على سبيل المجاز العقلي ، والجملة كلها تمثيل لحال المجرمين الذين الكلام عليهم من قوله { ونحشر المجرمين يومئذ زُرْقاً } طه 102 ، فاللاّم في { الوجوه } عوض عن المضاف إليه ، أي وجوههم ، كقوله تعالى { فإن الجحيم هي المأوى } النازعات 39 أي لهم . وأما وجوه أهل الطاعات فهي وجوه يومئذ ضاحكة مستبشرة . ويجوز أن يجعل التعريف في { الوجوه } على العموم ، ويراد بـ { عنت } خضعت ، أي خضع جميع الناس إجلالاً لله تعالى . والحيُّ الذي ثبت له وصف الحياة ، وهي كيفية حاصلة لأرقَى الموجودات ، وهي قوّة للموجود بها بقاء ذاته وحصول إدراكه أبداً أوْ إلى أمد مّا . والحياة الحقيقية هي حياة الله تعالى لأنّها ذاتية غير مسبوقة بضدها ولا منتهية . والقيوم القائم بتدبير النّاس ، مبالغة في القَيّم ، أي الذي لا يفوته تدْبير شيء من الأمور . وتقدم { الحي القيوم } في سورة البقرة 255 . وجملة { وقد خَابَ من حَمَلَ ظُلْماً } إما معترضة في آخر الكلام تفيد التعليل إن جُعل التعريف في { الوجوه } عوضاً عن المضاف إليه ، أي وجوه المجرمين . والمعنى إذ قد خاب كلّ من حمل ظلماً وإما احتراس لبيان اختلاف عاقبة عناء الوجوه ، فمن حمل ظلماً فقد خاب يومئذ واستمر عناؤه ، ومن عمل صالحاً عاد عليه ذلك الخوف بالأمن والفرح . والظلم ظلم النفس . وجملة { ومَن يعمل من الصٰلِحٰتِ وهو مؤمنٌ } الخ شرطية مفيدة قسيم مضمون جملة { وقَدْ خَابَ من حَمَل ظُلماً } . وصيغ هذا القسيم في صيغة الشرط تحقيقاً للوعد ، و { فلا يخاف } جواب الشرط ، واقترانه بالفاء علامة على أن الجملة غير صالحة لموالاة أداة الشرط ، فتعين إما أن تكون لا التي فيها ناهية ، وإما أن يكون الكلام على نيّة الاستئناف . والتقدير فهو لا يخاف . وقرأ الجمهور فلا يخاف بصيغة المرفوع بإثبات ألف بعد الخاء ، على أن الجملة استئناف غير مقصود بها الجزاء ، كأن انتفاء خوفه أمر مقرر لأنه مؤمن ويعمل الصالحات . وقرأه ابن كثير بصيغة الجزم بحذف الألف بعد الخاء ، على أن الكلام نهي مستعمل في الانتفاء . وكتبت في المصحف بدون ألف فاحتملت القراءتين . وأشار الطيبي إلى أن الجمهور توافق قوله تعالى وقد خاب من حمل ظلماً في أن كلتا الجملتين خبرية . وقراءة ابن كثير تفيد عدم التردد في حصول أمنه من الظلم والهضم ، أي في قراءة الجمهور خصوصية لفظية وفي قراءة ابن كثير خصوصية معنوية . ومعنى { لا يخاف ظلماً } لا يخاف جزاء الظالمين لأنّه آمن منه بإيمانه وعمله الصالحات . والهضم النقص ، أي لا ينقصون من جزائهم الذي وُعدوا به شيئاً كقوله { وإنّا لموفُّوهم نصيبهم غير منقوص } هود 109 . ويجوز أن يكون الظلم بمعنى النقص الشديد كما في قوله { ولم تَظْلم منه شيئاً } الكهف 33 ، أي لا يخاف إحباط عمله ، وعليه يكون الهضم بمعنى النقص الخفيف ، وعطفه على الظلم على هذا التفسير احتراس .