Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 51-52)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
والبال كلمة دقيقة المعنى ، تطلق على الحال المهمّ ، ومصدره البالة بتخفيف اللاّم ، قال تعالى { كفّر عنهم سيّآتهم وأصلح بالهم } محمد 2 ، أي حالهم . وفي الحديث " كل أمر ذي بال … " الخ ، وتطلق على الرأي يقال خطر كذا ببالي . ويقولون ما ألقى له بالاً ، وإيثار هذه الكلمة هنا من دقيق الخصائص البلاغيّة . أراد فرعون أن يحاجّ موسى بما حصل للقرون الماضية الذين كانوا على ملّة فرعون ، أي قرون أهل مصر ، أي ما حالهم ، أفتزعم أنّهم اتفقوا على ضلالة . وهذه شنشنة من لا يجد حجّة فيعمد إلى التشغيب بتخييل استبعاد كلام خصمه ، وهو في معنى قول فرعون وملئه في الآية الأخرى { قالوا أجِئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا } يونس 78 . ويجوز أن يكون المعنى أنّ فرعون أرَاد التشغيب على موسى حين نهضت حجّته بأن ينقله إلى الحديث عن حال القرون الأولى هل هم في عذاب بمناسبة قول موسى { أنّ العذاب على من كذّب وتولّى } طه 48 ، فإذا قال إنّهم في عذاب ، ثارت ثائرة أبنائهم فصاروا أعداء لموسى ، وإذا قال هم في سلام ، نهضت حجّة فرعون لأنه متابع لدينهم ، ولأنّ موسى لمّا أعلمه بربّه وكان ذلك مشعراً بالخلق الأوّل خطر ببال فرعون أن يسأله عن الاعتقاد في مصير النّاس بعد الفناء ، فسأل ما بال القرون الأولى ؟ ما شأنهم وما الخبر عنهم ؟ وهو سؤال تعجيز وتشغيب . وقول موسى في جوابه { عِلْمُهَا عند رَبِّي فِي كِتٰبٍ } صالحٌ للاحتمالين ، فعلى الاحتمال الأول يكون موسى صرفه عن الخوض فيما لا يجدي في مقامه ذلك الذي هو المتمحض لدعوة الأحياء لا البحث عن أحوال الأموات الذين أفضوا إلى عالم الجزاء ، وهذا نظير " قول النبي ــــ صلى الله عليه وسلم ــــ لمّا سئل عن ذراري المشركين فقال « الله أعلم بما كانوا عاملين » " وعلى الاحتمال الثاني يكون موسى قد عدل عن ذكر حالهم خيبة لمراد فرعون وعدولاً عن الاشتغال بغير الغرض الذي جاء لأجله . والحاصل أنّ موسى تجنّب التصدي للمجادلة والمناقضة في غير ما جاء لأجله لأنّه لم يبعث بذلك . وفي هذا الإعراض فوائد كثيرة وهو عالم بمجمل أحوال القرون الأولى وغير عالم بتفاصيل أحوالهم وأحوال أشخاصهم . وإضافة { عِلْمُهَا } من إضافة المصدر إلى مفعوله . وضمير { عِلْمُها } عائد إلى { القُرُونِ الأُولَىٰ } لأنّ لفظ الجمع يجوز أن يؤنث ضميره . وقوله { في كتاب } يحتمل أن يكون الكتاب مجازاً في تفصيل العلم تشبيهاً له بالأمور المكتوبة ، وأن يكون كناية عن تحقيق العلم لأنّ الأشياء المكتوبة تكون محققة كقول الحارث بن حِلِّزَة @ وهل ينقض ما في المهارق الأهواء @@ ويؤكد هذا المعنى قوله { لاَّ يَضِلُّ رَبي ولا يَنسَى } . والضلال الخطأ في العلم ، شبّه بخطأ الطريق . والنسيان عدم تذكر الأمر المعلوم في ذهن العالم .