Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 67-69)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أوجس أضمر واستشعر . وانتصاب { خيفةً } على المفعولية ، أي وجد في نفسه . وقد تقدّم نظيره عند قوله تعالى { نكرهم وأوجس منهم خيفة } في سورة هود 70 . و { خِيفَةً } اسم هيئة من الخوف ، أريد به مطلق المصدر ، وأصله خِوْفة ، فقلبت الواو ياء لوقوعها أثر كسرة . وزيادة { فِي نَفْسِهِ } هنا للإشارة إلى أنها خيفةُ تفكُّر لم يظهر أثرها على ملامحه . وإنما خاف موسى من أن يظهر أمر السحرة فيساوي ما يظهر على يديه من انقلاب عصاه ثعباناً ، لأنه يكون قد ساواهم في عملهم ويكونون قد فاقوه بالكثرة ، أو خشي أن يكون الله أراد استدراج السحرة مدّة فيملي لهم بظهور غلبهم عليه ومدّه لما تكون له العاقبة فخشي ذلك . وهذا مقام الخوف ، وهو مقام جَليل مِثلُه مقام النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر إذ قال " اللهم إني أسألك نصرك ووعدك اللّهم إن شئت لم تُعبد في الأرض " والدليل على هذا قوله تعالى { قُلْنَا لا تَخَفْ إنَّكَ أنْتَ الأَعْلَىٰ } فتأكيد الجملة بحرف التأكيد وتقويةُ تأكيدها بضمير الفصل وبالتعريف في { الأعلى } دليل على أن ما خامره من الخوف إنّما هو خوف ظهور السحرة عند العامة ولو في وقت ما . وهو وإن كان موقناً بأن الله ينجز له ما أرسله لأجله لكنه لا مانع من أن يستدرج الله الكفرة مدّة قليلة لإظهار ثبات إيمان المؤمنين ، كما قال لرسوله - صلى الله عليه وسلم - { لا يَغُرنك تقلُّب الذين كفروا في البلاد متاع قليل } آل عمران 196 ، 197 . وعبّر عن العصا بــــ { مَا } الموصولة تذكيراً له بيوم التكليم إذ قال له { وما تلك بيمينك يا موسى } طه 17 ليحصل له الاطمئنان بأنها صائرة إلى الحالة التي صارت إليها يومئذ ، ولذلك لم يقل له وألق عصاك . والتلقّف الابتلاع . وقرأه الجمهور بجزم { تلقّفْ } في جواب قوله { وَأَلْقِ } . وقرأه ابن ذكوان برفع { تلقّف } على الاستئناف . وقرأ الجمهور تلَقّف بفتح اللام وتشديد القاف . وقرأه حفص بسكون اللاّم وفتح القاف من لقِف كفرِح . وجملة { إنَّما صَنَعُوا كَيْدُ سٰحِرٍ } مستأنفة ابتدائية ، وهي مرَكبّة من إنّ و مَا الموصولة . و { كيد سٰحر } خبر إنّ . والكلام إخبار بسيط لا قصر فيه . وكتب إنما في المصحف موصولة إنّ بــــما الموصولة كما توصل بــــما الكافّة في نحو { إنما حرّم عليكم الميتة } البقرة 173 ولم يكن المتقدمون يتوخّون الفروق في رسم الخط . وقرأ الجمهور { كيد ساحر } بألف بعد السين . وقرأه حمزة ، والكسائي ، وخلف { كيد سِحر } بكسر السين . وجملة { ولاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أتَىٰ } من تمام الجملة التي قبلها ، فهي معطوفة عليها وحال من ضمير { إنَّمَا صَنَعُوا } ، أي لا يَنجحُ الساحر حيث كان ، لأن صنعته تنكشف بالتأمل وثبات النفس في عدم التأثّر بها . وتعريف { الساحر } تعريف الجنس لقصد الجنس المعروف ، أي لا يفلح بها كلّ ساحر . واختير فعل { أَتَىٰ } دون نحو حيث كانَ ، أو حَيث حلّ ، لمراعاة كون معظم أولئك السحرة مجلوبون من جهات مصر ، وللرعاية على فواصل الآيات الواقعة على حرف الألف المقصورة . وتعميم { حَيْثُ أَتَىٰ } لعموم الأمكنة التي يحضرها ، أي بسحره . وتعليق الحكم بوصف الساحر يقتضي أن نفي الفلاح عن الساحر في أمور السحر لا في تجارة أو غيرها . وهذا تأكيد للعموم المستفاد من وقوع النكرة في سياق النفي ، لأنّ عموم الأشياء يستلزم عموم الأمكنة التي تقع فيها .