Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 68-69)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لما غلبهم بالحجة القاهرة لم يجدوا مَخلَصاً إلا بإهلاكه . وكذلك المبطل إذا قَرعَت باطلَه حجة فساده غضب على المحقّ ، ولم يبق له مفزع إلا مناصبتَه والتشفّي منه ، كما فعل المشركون من قريش مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين عجزوا عن المعارضة . واختار قوم إبراهيم أن يكون إهلاكه بالإحراق لأن النار أهول ما يعَاقب به وأفظعه . والتحريق مبالغة في الحرق ، أي حرقاً متلفاً . وأسند قول الأمر بإحراقه إلى جميعهم لأنهم قبلوا هذا القول وسألوا ملِكهم ، وهو النمروذ ، إحراق إبراهيم فأمر بإحراقه لأن العقاب بإتلاف النفوس لا يملكه إلا ولاة أمور الأقوام . قيل الذي أشار بالرأي بإحراق إبراهيم رجل من القوم كُردي اسمه هينون ، واستحسن القومُ ذلك ، والذي أمر بالإحراق نمروذ ، فالأمر في قولهم { حرقوه } مستعمل في المشاورة . ويظهر أن هذا القول كان مؤامرة سرية بينهم دون حضرة إبراهيم ، وأنهم دبّروه ليبغتوه به خشيةَ هروبه لقوله تعالى { وأرادوا به كيداً } الأنبياء 70 . ونمروذ هذا يقولون إنه ابن كوش بن حَام بن نوح ، ولا يصح ذلك لبعد ما بين زمن إبراهيم وزمن كوش . فالصواب أن نمروذ من نسِل كوش . ويحتمل أن تكون كلمة نمروذ لقباً لملك الكلدان وليست عَلَماً . والمقدر في التاريخ أن مَلك مدينة أور في زمن إبراهيم هو ألغى بن أورخ وهو الذي تقدم ذكره عند قوله تعالى { ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك } في سورة البقرة 258 . ونصر الآلهة بإتلاف عدوّها . ومعنى { إن كنتم فاعلين } إن كنتم فاعلين النصر ، وهذا تحريض وتلهيب لحميتهم . وجملة { قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم } مفصولة عن التي قبلها إما لأنها وقعت كالجواب عن قولهم { حرقوه } فأشبهت جمل المحاورة ، وإما لأنها استئناف عن سؤال ينشأ عن قصة التآمر على الإحراق . وبذلك يتعين تقدير جملة أخرى ، أي فألقَوْه في النار قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم . وقد أظهر الله ذلك معجزة لإبراهيم إذ وَجّه إلى النار تعلّقَ الإرادة بسلب قوة الإحراق ، وأن تكون برداً وسلاماً إن كان الكلام على الحقيقة ، أو أزال عن مزاج إبراهيم التأثر بحرارة النار إن كان الكلام على التشبيه البليغ ، أي كوني كبرد في عدم تحريق الملقَى فيكِ بحَرّك . وأما كونها سلاماً فهو حقيقة لا محالة ، وذِكر { سلاماً } بعد ذكر البرد كالاحتراس لأن البرد مؤذ بدوامه ربما إذا اشتد ، فعُقب ذكره بذكر السلام لذلك . وعن ابن عباس لو لم يقل ذلك لأهلكته ببَردها . وإنما ذكر { برداً } ثمّ أتبع بــــ { سلاماً } ولم يقتصر على { برداً } لإظهار عجيب صنع القدرة إذ صيّر النار برداً . و { على إبراهيم } يتنازعه { برداً وسلاماً } . وهو أشد مبالغة في حصول نفعهما له ، ويجوز أن يتعلق بفعل الكون .