Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 80-80)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وامتن الله بصنعة علّمها داوود فانتفع بها الناس وهي صنعة الدروع ، أي درُوع السرد . قيل كانت الدروع من قبلِ داوود ذات حَراشف من الحديد ، فكانت تثقل على الكُماة إذا لبسوها فألهم الله داوود صنع دُروع الحَلَق الدقيقة فهي أخف محملاً وأحسن وقاية . وفي الإصحاح السابع عشر من سفر صمويل الأول أن جالوت الفلسطيني خرج لمبارزة داوود لابساً درعاً حَرشفياً ، فكانت الدروع الحرشفية مستعملة في وقت شباب داوود فاستعمل العرب دروع السرد . واشتهر عند العرب ، ولقد أجاد كعب بن زهير وصفها بقوله @ شمّ العَرانين أبَطال لَبُوسُهم من نَسج دَاوودَ في الهيجا سرابيل بيض سَوابغ قد شُكت لها حلَق كأنها حلَق القَفعاء مجدول @@ وكانت الدروع التُّبَّعية مشهورة عند العرب فلعل تُبّعاً اقتبسها من بني إسرائيل بعد داوود أو لعل الدروع التبعية كانت من ذات الحراشف ، وقد جمعها النابغة بقوله @ وكلَ صموت نِثلة تبّعية ونَسْج سُلَيْم كلّ قَمصاء ذَائِل @@ أراد بسليم ترخيم سليمان ، يعني سليمان بن داوود ، فنسب عمل أبيه إليه لأنه كان مدخِراً لها . واللبوس ــــ بفتح اللام ــــ أصله اسم لكل ما يُلبس فهو فَعول بمعنى مفعول مثل رَسول . وغلب إطلاقه على ما يُلبس من لامة الحرب من الحديد ، وهو الدرع فلا يطلق على الدرع لِباس ويطلق عليها لبوس كما يطلق لَبوس على الثياب . وقال ابن عطية اللبوس في اللغة السلاح فمنه الرمح ومنه قول الشاعر وهو أبو كبير الهذلي . @ ومعي لَبُوس للبئيس كأنه رَوق بجبهة ذي نِعاج مجفل @@ وقرأ الجمهور { ليُحْصِنكم } بالمثناة التحتية على ظاهر إضمار لفظ { لَبوس } . وإسناد الإحصَان إلى اللبوس إسناد مجازي . وقرأ ابن عامر ، وحفص عن عاصم ، وأبو جعفر ــــ بالمثناة الفوقية ــــ على تأويل معنى { لَبوس } بالدرع ، وهي مؤنثة ، وقرأ أبو بكر عن عاصم ، ورويس عن يعقوب { لنحصنكم } بالنون . وضمائر الخطاب في « لكم ، ليحصنكم ، من بأسكم ، فهل أنتم شاكرون » موجهة إلى المشركين تبعاً لقوله تعالى قبل ذلك { وهذا ذكر مبارك أنزلناه أفأنتم له منكرون } الأنبياء 50 لأنهم أهملوا شكر نعم الله تعالى التي منها هذه النعمة إذ عبدوا غيره . والإحصان الوقاية والحماية . والبأس الحرب . ولذلك كان الاستفهام في قوله تعالى { فهل أنتم شاكرون } مستعملاً في استبطاء عدم الشكر ومكنّى به عن الأمر بالشكر . وكان العدول عن إيلاء هل الاستفهامية بجملة فعلية إلى الجملة الاسمية مع أن لــــهل مزيد اختصاص بالفعل ، فلم يقل فهل تشكرون ، وعدل إلى { فهل أنتم شاكرون } ليدلّ العدول عن الفعلية إلى الاسمية على ما تقتضيه الاسمية من معنى الثبات والاستمرار ، أي فهل تقرر شكركم وثبت لأن تقرر الشكر هو الشأن في مقابلة هذه النعمة نظير قوله تعالى { فهل أنتم منتهون في آية تحريم الخمر } المائدة 91 .