Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 22, Ayat: 78-78)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَجَـٰهِدُوا فِى ٱللَّهِ حَقَّ جِهَـٰدِهِ } الجهاد بصيغة المفاعلة حقيقة عرفية في قتال أعداء المسلمين في الدّين لأجل إعلاء كلمة الإسلام أو للدفع عنه كما فسرّه النبي - صلى الله عليه وسلم - " من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله " . وأن ما روي " عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه حين قفل من غزوة تبوك قال لأصحابه « رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر » " وفسّره لهم بمجاهدة العبد هواه ، فذلك محمول على المشاكلة بإطلاق الجهاد على منع داعي النفس إلى المعصية . ومعنى في التعليل ، أي لأجل الله ، أي لأجل نصر دينه كقول النبي - صلى الله عليه وسلم - " دخلت امرأة النارَ في هِرّة " أي لأجل هِرة ، أي لعمل يتعلق بهرّة كما بيّنه بقوله " حَبَسَتْها لا هِيَ أطعمتها ولا هي أرسلتها ترمم من خشاش الأرض حتى ماتت هزلاً " . وانتصب { حق جهاده } على المفعول المطلق المبيّن للنوع ، وأضيفت الصفة إلى الموصوف ، وأصله جهادَه الحقّ ، وإضافة جهاد إلى ضمير الجلالة لأدنى ملابسة ، أي حق الجهاد لأجله ، وقرينة المراد تقدّم حرف في كقوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته } آل عمران 102 . والحق بمعنى الخالص ، أي الجهاد الذي لا يشوبه تقصير . والآية أمر بالجهاد ، ولعَلّها أول آية جاءت في الأمر بالجهاد لأنّ السورة بعضها مكي وبعضها مدنيّ ولأنه تقدم آنفاً قوله { ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله } الحج 60 ، فهذا الآن أمر بالأخذ في وسائل النصر ، فالآية نزلت قبل وقعة بدر لا محالة . { هُوَ ٱجْتَبَـٰكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِى ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَٰهِيمَ هُوَ سَمَّـٰكُمُ ٱلْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِى هَـٰذَا لِيَكُونَ ٱلرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ } جملة { هو اجتباكم } إن حملت على أنها واقعة موقع العلة لما أمروا به ابتداء من قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا } الحج 77 الخ ، أي لأنه لما اجتباكم ، كان حقيقاً بالشكر له بتلك الخصال المأمور بها . والاجتباء الاصطفاء والاختبار ، أي هو اختاركم لتلقي دينه ونشره ونصره على معانديه . فيظهر أن هذا موجّه لأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصالة ويشركهم فيه كل من جاء بعدهم بحكم اتّحاد الوصف في الأجيال كما هو الشأن في مخاطبات التشريع . وإن حمل قوله { هو اجتباكم } على معنى التفضيل على الأمم كان ملحوظاً فيه تفضيل مجموع الأمة على مجموع الأمم السابقة الراجع إلى تفضيل كل طبقة من هذه الأمة على الطبقة المماثلة لها من الأمم السالفة . وقد تقدم مثل هذين المحملين في قوله تعالى { كنتم خير أمة أخرجت للناس } آل عمران 110 . وأعقب ذلك بتفضيل هذا الدّين المستتبع تفضيل أهله بأن جعله ديناً لا حرج فيه لأنّ ذلك يسهل العمل به مع حصول مقصد الشريعة من العمل فيسعد أهله بسهولة امتثاله ، وقد امتنّ الله تعالى بهذا المعنى في آيات كثيرة من القرآن ، منها قوله تعالى { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } البقرة 185 . ووصفهِ الدين بالحنيف ، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - " بُعِثت بالحنيفيّة السّمحة " . والحرج الضيق ، أطلق على عسر الأفعال تشبيهاً للمعقول بالمحسوس ثمّ شاع ذلك حتى صار حقيقة عُرفية كما هنا . والمِلّة الدين والشريعة . وقد تقدم عند قوله تعالى { ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً } فيسورة النحل 123 . وقوله { واتبعت ملة آباءي } فيسورة يوسف 38 . وقوله { ملة أبيكم إبراهيم } زيادة في التنويه بهذا الدّين وتحْضيض على الأخذ به بأنه اختص بأنه دين جاء به رسولان إبراهيم ومحمد - صلى الله عليهما وسلم - وهذا لم يستتب لدين آخر ، وهو معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - " أنا دعوة أبي إبراهيم " أي بقوله { ربّنا وابْعَث فيهم رسولاً منهم } البقرة 129 ، وإذ قد كان هذا هو المقصود فمحمل الكلام أنّ هذا الدّين دين إبراهيم ، أي أنّ الإسلام احتوى على دين إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - . ومعلوم أن للإسلام أحكاماً كثيرة ولكنه اشتمل على ما لم يشتمل عليه غيره من الشرائع الأخرى من دين إبراهيم ، جعل كأنه عين ملّة إبراهيم ، فعلى هذا الاعتبار يكون انتصاب { ملة أبيكم إبراهيم } على الحال من { الدّين } باعتبار أن الإسلام حوى ملّة إبراهيم . ثم إن كان الخطاب موجّهاً إلى الذين صحبوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فإضافة أبوة إبراهيم إليهم باعتبار غالب الأمة ، لأنّ غالب الأمة يومئذ من العرب المُضَرية وأمّا الأنصار فإن نسبهم لا ينتمي إلى إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - لأنّهم من العرب القحطانيين على أن أكثرهم كانت لإبراهيم عليهم ولادة من قِبل الأمهات . وإن كان الخطاب لعموم المسلمين كانت إضافة أبوة إبراهيم لهم على معنى التشبيه في الحُرمة واستحقاق التعظيم كقوله تعالى { وأزواجه أمهاتهم } الأحزاب 6 ، ولأنه أبو النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - ومحمد له مقام الأبوة للمسلمين وقد قرىء قوله تعالى { وأزواجه أمهاتهم } الأحزاب 6 بزيادة وهو أبوهم . ويجوز أن يكون الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - على طريقة التعظيم كأنه قال ملّة أبيك إبراهيم . والضمير في { هو سماكم المسلمين } عائد إلى الجلالة كضمير { هو اجتباكم } فتكون الجملة استئنافاً ثانياً ، أي هو اجتباكم وخصّكم بهذا الاسم الجليل فلم يعطه غيركم ولا يعود إلى إبراهيم . و { قبْلُ } إذا بني على الضم كان على تقدير مضاف إليه منوي بمعناه دون لفظه . والاسم الذي أضيف إليه { قبلُ } محذوف ، وبني { قبلُ } على الضم إشعاراً بالمضاف إليه . والتقدير من قبل القرآن . والقرينة قوله { وفي هذا } ، أي وفي هذا القرآن . والإشارة في قوله { وفي هذا } إلى القرآن كما في قوله تعالى { ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين } الأحقاف 4 ، أي وسماكم المسلمين في القرآن . وذلك في نحو قوله { فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون } آل عمران 64 وقوله { وأمرت لأن أكون أول المسلمين } الزمر 12 . واللاّم في قوله { ليكون الرسول شهيداً عليكم } يتعلّق بقوله { اركعوا واسجدوا } الحج 77 أو بقوله { اجتباكم } أي ليكون الرسول ، أي محمد - عليه الصلاة والسلام - شهيداً على الأمة الإسلامية بأنها آمنت به ، وتكون الأمة الإسلامية شاهدة على النّاس ، أي على الأمم بأن رسلهم بلغوهم الدعوة فكفر بهم الكافرون . ومن جملة الناس القوم الذين كفروا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وقدمت شهادة الرسول للأمة هنا ، وقدمت شهادة الأمة في آية البقرة143 { وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً } لأن آية هذه السورة في مقام التنويه بالدّين الذي جاء به الرسول . فالرسول هنا أسبق إلى الحضور فكان ذكر شهادته أهم ، وآية البقرة صُدّرت بالثناء على الأمّة فكان ذكر شهادة الأمة أهمّ . { فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَـوٰةَ وَٱعْتَصِمُواْ بِٱللَّهِ هُوَ مَوْلَـٰكُمْ فَنِعْمَ ٱلْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ ٱلنَّصِيرُ } تفريع على جملة { هو اجتباكم } وما بعدها ، أي فاشكروا الله بالدوام على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والاعتصام بالله . والاعتصام افتعال من العَصْم ، وهو المنع من الضُرّ والنجاةُ ، قال تعالى { قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله } هود 43 ، وقال النابغة @ يظل من خوفه الملاحُ مُعتصماً بالخيزرانة بعد الأيْن والنجد @@ والمعنى اجعلوا الله ملجأكم ومنجاكم . وجملة { هو مولاكم } مستأنفة معلّلة للأمر بالاعتصام بالله لأنّ المولى يُعتصم به ويُرجع إليه لعظيم قدرته وبديع حكمته . والمولى السيد الذي يراعي صلاح عبده . وفرع عليه إنشاء الثناء على الله بأنه أحسن مولى وأحسن نصير . أي نِعم المدبر لشؤونكم ، ونِعم الناصر لكم . ونصير صيغة مبالغة في النصر ، أي نِعم المولى لكم ونِعم النصير لكم . وأما الكافرون فلا يتولاّهم تولي العناية ولا ينصرهم . وهذا الإنشاء يتضمّن تحقيق حسن ولايَة الله تعالى وحسن نصره . وبذلك الاعتبار حسن تفريعه على الأمر بالاعتصام به . وهذا من براعة الختام ، كما هو بَيّن لذوي الأفهام