Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 17-17)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
انتقال من الاستدلال بخلق الإنسان إلى الاستدلال بخلق العوالم العلوية لأن أمرها أعجب ، وإن كان خلق الإنسان إلى نظره أقرب ، فالجملة عطف على جملة { ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين } المؤمنون 12 وإنما ذكر هذا عقب قوله { ثم إنكم يوم القيامة تُبعثون } المؤمنون 16 للتنبيه على أن الذي خلق هذا العالم العلوي ما خلقه إلاّ لحكمة ، وأن الحكيم لا يهمل ثواب الصالحين على حسناتهم ، ولا جزاء المسيئين على سيئاتهم ، وأن جعْله تلك الطرائق فوقنا بحيث نراها ليدلنا على أن لها صلة بنا لأن عالم الجزاء كائن فيها ومخلوقاته مُستقرة فيها ، فالإشارة بهذا الترتيب مثل الإشارة بعكسه في قوله { وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما إلاّ بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون إنّ يوم الفصل ميقاتهم أجمعين } الدخان 38 ـــ 40 . والطرائق جمع طريقة وهي اسم للطريق تذكر وتؤنث ، والمراد بها هنا طرائق سير الكواكب السبعة وهي أفلاكها ، أي الخطوط الفرضية التي ضَبط الناس بها سُمُوتَ سَيْر الكواكب ، وقد أطلق على الكوكب اسم الطارق في قوله تعالى { والسماء والطارق } الطارق 1 من أجل أنه ينتقل في سمت يسمى طريقة فإن الساير في طريق يقال له طارق ، ولا شك أن الطرائق تستلزم سائرات فيها ، فكان المعنى خلقنا سيَّارات وطرائقها . وذِكر { فوقكم } للتنبيه على وجوب النظر في أحوالها للاستدلال بها على قدرة الخالق لها تعالى فإنها بحالة إمكان النظر إليها والتأمل فيها . ولأن كونها فوق الناس مما سهل انتفاعهم بها في التوقيت ولذلك عقب بجملة { وما كنا عن الخلق غافلين } المشعر بأن في ذلك لطفاً بالخلق وتيسيراً عليهم في شؤون حياتهم ، وهذا امتنان ، فالواو في جملة { وما كنا عن الخلق غافلين } للحال ، والجملة في موضع الحال ، وفيه تنبيه للنظر في أن عالم الجزاء كائن بتلك العوالم قال تعالى { وفي السماء رزقكم وما توعدون } الذاريات 22 . والخلق مفعول سمي بالمصدر ، أي ما كنا غافلين عن حاجة مخلوقاتنا يعني البشر ، ونفي الغفلة كناية عن العناية والملاحظة ، فأفاد ذلك أن في خلق الطرائق السماوية لِمَا خلقت له لطفاً بالناس أيضاً إذ كان نظام خلقها صالحاً لانتفاع الناس به في مواقيتهم وأسفارهم في البر والبحر كما قال { وهو الذي جعل لكمُ النجوم لِتَهْتَدُوا بها في ظُلُمَاتِ البر والبحر } الأنعام 97 . وأعظم تلك الطرائق طريقة الشمس مع ما زادت به من النفع بالإنارة وإصلاح الأرض والأجساد ، فصار المعنى خلقنا فوقكم سبع طرائق لحكمة لا تعلمونها وما أهملنا في خلقها رعْيَ مصالحكم أيضاً . والعدول عن الإضمار إلى الإظهار في قوله { وما كنا عن الخلق غافلين } دون أن يقال وما كنا عنكم غافلين ، لما يفيده المشتق من معنى التعليل ، أي ما كنا عنكم غافلين لأنكم مخلوقاتنا فنحن نعاملكم بوصف الربوبيَّة ، وفي ذلك تنبيه على وجوب الشكر والإقلاع عن الكفر .