Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 23, Ayat: 76-77)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

استدلال على مضمون قوله { ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجوا في طغيانهم يعمهون } المؤمنون 75 بسابق إصرارهم على الشرك والإعراض عن الالتجاء إلى الله وعدم الاتعاظ بأن ما حل بهم من العذاب هو جزاء شركهم . والجملة المتقدمة خطاب للنبيء صلى الله عليه وسلم وهو يعلم صدقه فلم يكن بحاجة إلى الاستظهار عليه . ولكنه لما كان متعلقاً بالمشركين وكان بحيث يبلغ أسماعهم وهم لا يؤمنون بأنه كلام من لا شك في صدقه ، كان المقام محفوفاً بما يقتضي الاستدلال عليهم بشواهد أحوالهم فيما مضى ولذلك وقع قبله { فذرْهم في غمرتهم حتى حين } المؤمنون 54 ، ووقع بعده { قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون } المؤمنون 84 . والتعريف في قوله { بالعذاب } للعهد ، أي بالعذاب المذكور آنفاً في قوله { حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب } المؤمنون 64 الخ . ومصبّ الحال هو ما عطف على جملتها من قوله { فما استكانوا لربهم } ، فلا تتوهمنّ أن إعادة ذكر العذاب هنا تدل على أنه عذاب آخر غير المذكور آنفاً مستنداً إلى أن إعادة ذكر الأول لا طائل تحتها . وهذه الآية في معنى قوله في سورة الدخان 13 ـــ 15 { أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين ثم تولوا عنه } إلى قوله { إنا كاشفوا العذاب قليلاً إنكم عائدون } والمعنى فلم يكن حظهم حين أخذناهم بالعذاب إلا العويل والجؤار دون التوبة والاستغفار . وقيل هذا عذاب آخر سابق للعذاب المذكور آنفاً فيتركب هذا على التفاسير المتقدمة أنه عذاب الجوع الأول أو عذاب الجوع الثاني بالنسبة لعذاب يوم بدر . والاستكانة مصدر بمعنى الخضوع مشتقة من السكون لأن الذي يخضع يقطع الحركة أمام من خضع له ، فهو افتعال من السكون للدلالة على تمكن السكون وقوته . وألفه ألف الافتعال مثل الاضطراب ، والتاء زائدة كزيادتها في استعاذة . وقيل الألف للإشباع ، أي زيدت في الاشتقاق فلازمت الكلمة . وليس ذلك من الإشباع الذي يستعمله المستعملون شذوذاً كقول طرفة @ ينباع من ذفري غضوب جسرة @@ أي ينبع . وأشار في « الكشاف » إلى الاستشهاد على الإشباع في نحوه إلى قول ابن هرمة @ وأنت من الغوائل حين ترمي ومن ذم الرجال بمنتزاح @@ أراد بمنتزح فأشبع الفتحة . ويبعد أن يكون { استكانوا } استفعالاً من الكون من جهتين جهة مادته فإن معنى الكون فيه غير وجيه وجهة صيغته لأن حمل السين والتاء فيه على معنى الطلب غير واضح . والتعبير بالمضارع في { يتضرعون } لدلالته على تجدد انتفاء تضرعهم . والتضرع الدعاء بتذلل ، وتقدم في قوله { لعلهم يتضرعون } في سورة الأنعام 42 . والقول في جملة { حتى إذا فتحنا عليهم باباً } كالقول في { حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب } المؤمنون 64 . وإذا من قوله { حتى إذا فتحنا عليهم باباً } مثل إذا التي تقدمت في قوله { حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب } إلخ . وفتح الباب تمثيل لمفاجأتهم بالعذاب بعد أن كان محجوزاً عنه حسب قوله تعالى { وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم } الأنفال 33 . وقريب من هذا التمثيل قوله تعالى { ولو دُخلت عليهم من أقطارها } الأحزاب 14 . شبهت هيئة إصابتهم بالعذاب بعد أن كانوا في سلامة وعافية بهيئة ناس في بيت مغلق عليهم ففتح عليهم باب البيت من عدو مكروه ، أو تقول شبهت هيئة تسليط العذاب عليهم بهيئة فتح باب اختزن فيه العذاب فلما فتح الباب انهال العذاب عليهم . وهذا كما مثل بقوله { وفار التنور } هود 40 وقولهم طفحت الكأس بأعمال فلان ، وقوله تعالى { فإن للذين ظلموا ذنوباً مثل ذنوب أصحابهم } الذاريات 59 وقول علقمة @ فحقّ لشاس من نداكَ ذَنوبُ @@ ومنه قول الكتّاب فتح باب كذا على مصراعيه ، تمثيلاً لكثرة ذلك وأفاض عليه سجلاً من الإحسان ، وقول أبي تمام @ من شاعر وقف الكلام ببابه واكتن في كنفيْ ذراه المنطق @@ ووصف { باباً } بكونه { ذا عذاب شديد } دون أن يضاف باب إلى عذاب فيقال باب عذاب كما قال تعالى { فصب عليهم ربك سوط عذاب } الفجر 13 لأن { ذا عذاب } يفيد من شدة انتساب العذاب إلى الباب ما لا تفيده إضافة باب إلى عذاب ، وليتأتى بذلك وصف عذاب بــــشديد بخلاف قوله { سوط عذاب } فقد استغني عن وصفه بــــشديد بأنه معمول لفعل صب الدال على الوفرة . والمراد بالعذاب الشديد عذاب مستقبل . والأرجح أن المراد به عذاب السيف يوم بدر . وعن مجاهد أنه عذاب الجوع . وقيل عذاب الآخرة . وعلى هذا الوجه يجوز أن يكون الباب حقيقة وهو باب من أبواب جهنم كقوله تعالى { حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها } الزمر 71 . والإبلاس شدة اليأس من النجاة . يقال أبلس ، إذا ذل ويئس من التخلص ، وهو ملازم للهمزة ولم يذكروا له فعلاً مجرداً . فالظاهر أنه مشتق من البلاس كسحاب وهو المِسح ، وأن أصل أبلس صار ذا بَلاس . وكان شعار من زهدوا في النعيم . يقال لبس المسوح ، إذا ترهب . وهنا انتهت الجمل المعترضة المبتدأة بجملة { ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه } المؤمنون 23 وما تفرع عليها من قوله { فذرهم في غمرتهم حتى حين } المؤمنون 54 إلى قوله { إذا هم فيه مبلسون }